خطوات سريعة مرتعشة ..لهاث أنفاس مرتعبة فى مكان مظلم تماما ..يفر صاحبها من شيء ما مخيف وقاتل ..يعقبها مباشرة صرخة ذعر مكتومة ..ثم نرى بعد ذلك المكان يعج بالشرطة والجثة ملقاة على الأرض تتناثر حولها الدماء…
تلك هى الإفتتاحية التقليدية لمعظم أفلام الرعب النمطى التى يقدمها صانعى الرعب السينمائي فى كل سنيمات العالم إقتداءآ بهوليوود ..ولأن وظيفة الفن عند أرسطو -والدراما جزء منه- هى تطهير الإنسان من مخاوفه وذنوبه وسلوكه المنافى للإنسانية بأن يرى المشاهد أمام عينيه عاقبة كل مؤذي وقاتل ..إنساناً كان أم وحشآ..فقد صارت سينما الرعب كما يؤكد أغلب علماء النفس وسيلة هامة من وسائل العلاج النفسي للمرضى بشكل عام وللمصابين بالوسواس القهرى بشكل خاص.
حيث يروا جميعاً ما يحدث على الشاشة بعيداً عنهم من مخاطر وأهوال يخوضها الأبطال بالنيابة عنهم ويخرجون منها بأمان وهو مايشجع المرضى على مواجهة أنفسهم والتخلص من هواجسهم “التطهير” فجميع الدراسات والبحوث المنشورة فى هذا الصدد أكدت فائدة أفلام الرعب كأحد العلاجات بالطب النفسي.
لكن جودة العلاج”الفيلم” هامة لإحداث الأثر المطلوب .. فهل لدينا سنيما رعب تمثل علاجا ناجحا كما ينبغى أن يكون؟.. الحقيقة التى لاتقبل مجالا للشك أننا مازلنا متخلفون فنيا ومتأخرون عن الركب العالمي فى هذا المضمار..مقارنة بالسينما الأميركية والإيطالية والفرنسية على الترتيب ..رغم مالدينا من كوادر بشرية في الإخراج والتصوير والتمثيل..على سبيل المثال ..كان الراحلين كمال الشيخ وصلاح أبو سيف من أبرز ماقدموا تلك النوعية من الأعمال على الرغم من تصنيفهما الفنى الذى لا ينتمى للرعب ..فالأول قدم الرعب مع التشويق فى فيلم المنزل رقم 13 والثاني قدم رائعة ريا وسكينة فى الأربعينات من القرن الماضي دون الحاجة لإمكانات تكنولوجية أو مؤثرات وخدع تقنية ..فقط نجحا بقدرتهما الفنية ..فى خلق جو من الرعب المثالى الذى يلهث وراءه المشاهدين.
وبقفزة سريعة على الرعب فى فترة الثمانينات والتسعينات بالقرن الماضى ..نجد أن سنيما الرعب المصرية لم تحظ بأى إهتمام جماهيري لرسوبها فى جودة التأليف والإخراج مع الإنتاج الفقير الذى زاد الطين بلة ..فنجد محاولات المخرج الراحل محمد شبل فى أفلام أنياب والتعويذة وكابوس (إنتاج حقبة الثمانينات) باءت كلها بالفشل الجماهيرى ..لغياب الإنتاج القوى والنص المتميز وقبلهما الفكرة المبهرة القابلة للتصديق ..لكنها كانت إجتهادات غير تقليدية من شبل حاول أن يكون أسدآ فى الرعب لكن إمكانات الإنتاج ظلمته ..حسب إعترافه لى فى حوار سابق.. فى حين لم تحتاج السينما الأمريكية الى إمكانيات -رغم توفرها -لإنتاج فيلم مثل هانيبال أو صمت الحملان للنجم أنتوني هوبكنز وإكتساحه الإيرادات والجوائز فى أوائل التسعينيات بل كانت الفكرة هى النجم والسناريو المحكم هو المبدع والتمثيل هو البطل..
هكذا كانت ومازالت سنيما الرعب المصرية ..مثل سفينة بحار أراد إستكشاف أراض مجهولة فتاه ولم يعثر بعد على مبتغاه أما فيما بعد الألفية الجديدة فكل الأعمال الشبابية فى هذا المجال مجرد تقليد أعمى للثقافة السينمائية الغربية بكل تقنياتها الفنيه مثلا فيلم كامب هو تقليد هزيل لفيلم الصرخة الأمريكى وكذلك فيلم شارع 18 وأعمال أخرى لا أتذكرها ..وربما يكون لفيلم بيت ست للمخرج الشاب أحمد عقل الذى عرض العام الماضي بادرة أمل فى صناعة فيلم رعب محلى محترم ..يغنينا عن طلب المستورد لعلاج أنفسنا من الأمراض النفسية بسبب السنيما المصرية.
بقلم: ياسر عز الدين