Jhggff

تقع الضربخانة في قلعة صلاح الدين الأيوبي ويعود إنشائها إلى الوالي العثماني إبراهيم باشا القبطان الذي تولى حكم مصر عام 1121هـ / 1710م حيث أنشأ دارا لضرب النقود وذلك بصفته واليا على البلاد والمنفعة العامة.
وعندما جاء محمد على قام بتجديدها وترميمها وإضافة مبان جديدة لها وذلك عام 1227هـ / 1812م وهذا التاريخ مثبت في لوح رخامي على بابها الأوسط ويتضمن سطرين نصهما “جدد هذا المكان المبارك الوزير الأعظم محمد على باشا وكان ذلك في عام 1227هجرية ” وكانت تجمع عدد كبير من العمال والصناع .
ويتكون التخطيط المعماري لدار ضرب وسك العملة من مساحة مستطيلة لها حوش مكشوف وألحقت به عدة حجرات متجاورة تعلوها قباب بنيت من الأجر أو الطوب الأحمر وتميزت هذه القباب بوجود ما عرف بالمناور أعلاها واستخدمت المناور للإضاءة والتهوية وأيضا كمداخن لصعود الأبخرة المتخلفة عن عملية الصناعة ويتوسط الحوش حجرة بيضاوية الشكل مبنية بالحجر وبمرور الوقت تهدمت مبان كثيرة من دار الضرب بعد تصدعها وتشققها إلا أن المجلس الأعلى للآثار أجرى مشروعا لترميمها مما أعاد لها جزء كبير من تاريخها.
وحسب العديد من الروايات التاريخية فإن دخول النقود إلى مصر بدأ منذ العصر البطلمي وإن ظلت المقايضة شائعة لقرون عدة وكانت العملات التي تسك تصنع من الذهب وتحمل رسما لفرس راقص على أحد وجهيها بينما تظهر كتابة عبارة عن ” ذهب جيد ” على الوجه الأخر كما ازدهرت صناعة سك النقود الفضية ويرجع تاريخ أقدم تلك العملات إلى الإسكندر الأكبر.
وبعد فتح العرب لمصر سنة 20هـ لم يغيروا النظام المالي الذي كان قائما بها ومنذ عام 76هـ قام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بسك دينار ذهبي جديد يحمل العبارات الإسلامية وراج الدينار الجديد في الأسواق جنبا إلى جنب مع الدينار البيزنطي وكان وزن الدنانير الذهب يتغير مع تغير العهود حسب حالة مصر المالية صعودا وهبوطا كما سكت الدراهم الفضية وكانت ثلاث أنواع حسب نسبة الفضة بها.
وراجت في مصر في العصر العباسي الأول الدنانير العباسية التي سكها خلفاء بني العباس في العراق وقد لقي دينار الرشيد ودينار المأمون إقبالا زائدا من الناس في مصر بسبب احتوائها على 98% من حجمها ذهبا كما راجت الدراهم التي ضربت في عهد الأمين والمأمون وكانت أول دنانير تحمل اسم والي مصر وتُسك في الفسطاط تلك التي ضربها على بن سليمان بن على العباسي.
وفي عهد الدولة الطولونية تأسست دار الضرب المصرية حيث ضربت الدنانير الأحمدية نسبة إلى أحمد بن طولون مؤسس الدولة وكانت نسبة الذهب بها 98% من وزنها ولاقت تقدير الناس لنقائها.
وفي ولاية محمد بن طغج الإخشيد 323هـ ضربت دنانير في عهد الخليفة الراضي كان يذكر فيها اسم الخليفة وحده مما يؤكد تبعية الإخشيد للخلافة العباسية.
وعندما قدم الفاطميون إلى مصر سك جوهر الصقلي دنانير ذهبية جديدة أطلق عليها اسم المعزية وعلى الرغم من توالي سك الدنانير التي تحمل اسم كل خليفة من خلفاء الفاطميين فقد ظل الدينار المُعزي أساس التعامل الثابت في مصر في العهد الفاطمي كما تم إصدار دراهم جديدة وأحيانا كان يحدث ما نسميه بالتضخم كما حدث أيام الحاكم بأمر الله حيث أخذت كميات الدراهم تزداد زيادة كبيرة مما تسبب في انهيار قيمتها ولكي تجري الحكومة إصلاحا أصدرت دراهم جديدة ومنعت التعامل بالدراهم الأولى وأن يتم توريدها إلى دار الضرب وتبديل أربعة دراهم قديمة بدرهم واحد جديد وبذلك تم التغلب على المشكلة.
ولم يقتصر التعامل المالي في أسواق مصر على العملة الفاطمية فحسب بل كانت تتداول في الأسواق عملات أخرى مختلفة من عهود سابقة ولم يكن اهتمام الناس بمن أصدر العملة قدر اهتمامهم بوزنها سواء من الذهب أو الفضة ونقائها.
وعند سقوط الدولة الفاطمية في عام 567هـ وقيام دولة الأيوبيين ألمت بالعملة المصرية ضائقة بسبب اختفاء الذهب والفضة من مصر ويعود ذلك إلى سلسلة من العوامل منها تضاؤل إنتاج مناجم الذهب المحلية وعجزها عن تموين دور الضرب كما امتاز عهد الفاطميين بالترف الشديد والإقبال على اقتناء الحلي الذهبية وإدخال المعدن النفيس في أغراض مختلفة تتصل بصناعة النسيج والأسلحة والسروج مما أدى إلى إهدار كميات هائلة منها وأيضا الإنفاق على مواجهة الصليبيين حيث بدأ الخطر الصليبي في أواخر العصر الفاطمي.
ومع بداية الدولة الأيوبية أصدر صلاح الدين مرسوما لمواجهة الضائقة النقدية بجعل الفضة قاعدة التعامل وحساب قيمة الدينار بما يصرف به من دراهم كما تم ضرب الدراهم الناصرية في سنة 583هـ وجعل نصفها من الفضة ونصفها من النحاس وضاق الناس بتلك الدراهم ولقبوها بالزيوف واضطربت الأسعار والأحوال الاقتصادية عامة ويمكن القول أن مصر تحولت في العصر الأيوبي من نظام المعدن الفردي إلى نظام المعدنين.
أما في عصر المماليك فقد كانت النقود دنانير من ذهب وعملات من الفضة ومن النحاس وبعد نقل مركز الخلافة العباسية إلى القاهرة تم نقش اسم الخليفة العباسي على العملات الذهبية والفضية بالإضافة إلى الرنك أو الشعار الخاص بالسلطان المملوكي ولكن بعد أن استقر المماليك في حكم مصر لم يهتموا بنقش اسم الخليفة واكتفوا باسم السلطان وشعاره وخلال عصر المماليك تعرض الاقتصاد للاضطراب وعدم الاستقرار والتعرض للتضخم أكثر من مرة.
وبعد تحول مصر إلى ولاية عثمانية سنة 923هـ أصبحت النقود التي تضرب في الضربخانة بالقلعة محددة بأوامر السك التي تصدر من الأستانة وكلما تولى عرش السلطنة سلطان جديد فتسك باسمه النقود وكان يتم تداول العملة المضروبة باسم السلطان العثماني في أنحاء الولايات الخاضعة لحكمه وظلت النقود المصرية تحمل أسماء السلاطين العثمانيين حتى الحرب العالمية الأولى عندما أُلغيت تبعية مصر للدولة العثمانية وأُعلنت مصر سلطنة تحت الحماية البريطانية وحمل النقد المصري اسم السلطان حسين كامل.
وفي عام 1922م بعد إعلان مصر مملكة مستقلة صدرت في عصر الملك فؤاد أول عملة مصرية تحمل علامة مائية في عام 1926م وكانت من فئة الجنيه كما صدرت في عهده أول عملة مصرية تحمل صورة شخص هو ” العم إدريس” وهي العملة التي أطلق عليها عامة الشعب ”جنيه الفلاح”.
وكان الملك فاروق أخر ملك تم وضع صورته على النقود المصرية في عام 1946م وقد وضعت صورته على فئات من العملة من بينها المائة جنيه والخمسون جنيهاً والخمسة جنيهات والجنيه وكانت أول ورقة حملت صورته ورقة الجنيهات الخمسة .
كتب : إيمي علي