افلاطون ليس مجرد فيلسوفاً عادياً كمعلمه سقراط ولا عالماً حكيماً كحكماء الطبيعة السابقين، لقد كان مزيجاً ناعماً بين المدرستين، فهو يرى أن الحياة ليست مادية فقط أو حسية فقط بل هي تجانس بين المادة والحس، بين الساكن والمتحرك، بين الأزلي والآني، بين الجسد والروح.

يرى افلاطون عدة رؤى حول الكون وماهية عناصره التي تندرج تحت الأشياء المادية الآنية الفانية، وإنه رغم اختلاف الأشياء إلا أنها تشترك في كثير من الصفات وهذا لخروجها من قالب واحد كامل بشكل رائع لكن ليس كل مايخرج من هذا القالب كاملاً مثله.

وينطبق هذا على مثال معين ضربه افلاطون وهو أن الجياد جميعاً تتشابه وتختلف في أشياء عدة كاللون والقصر أو الطول وارتفاع الذيل وكثرته وانحناءة الصهوة، لكن جميعهم يظلون جيادا، فلن تتغير الطبيعة يوماً وتأتي بذرات لحصان وذرات خنزير وتخرج خنزيراً بجسد حصان أو حصاناً بأنف خنزير.

وبذلك يؤكد أن التشابه في المصنوعات واضح حتى لو به تغيرات لكن القالب أفضل وأكمل وإذا كانت المصنوعات تلك في نظر افلاطون فانية وآنية فذلك لا يعني أن القالب أيضاً هكذا، القالب أزلي وليس فاني وهذا يؤكد أن الكون يتغير مع تقلب الزمان وتفنى أشياء وتموت أخرى لكن تعود ليظهر غيرها من جديد وهذا ما قاله افلاطون إن القالب أزلي وأن المصنوع فاني.

أما فيما يخص المعرفة الحقيقية فإن هناك قواعد أبدية خالدة فيما يخص الخير والشر وهذا نبلغه فقط إذا استعملنا عقلنا وهذا ما يقوله افلاطون إن العقل دائم وأزلي، إنه يؤمن بوجود حقيقة أخرى خلف عالم الحواس هذه الحقيقة ما اسماه الأفكار وهي المُثل الأبدية والثابتة القائمة في أساس الظواهر الطبيعية.

إن مشاهداتنا لا تسمح لنا بأن نرى إلا تفسيرات غامضة لكن مانراه من داخلنا بفضل العقل يقودنا لمعرفة أكيدة، فمثلاً مجموع زوايا المثلث تظل للأبد 180 درجة كذلك فإن فكرة الحصان يمشي على أربع قوائم ثابتة حتى ولو كانت كل الجياد الموجودة في العالم عرجاء.

لقد رأينا كيف كان افلاطون يقسم الواقع إلى قسمين:

القسم الأول مشكل من عالم الحس الذي يعطينا المعرفة التقريبية وغير الكاملة باستخدامنا الحواس الخمس التي هي الأخرى بطبيعتها تقريبية وغير كاملة، عالم الحواس هذا هو دائماً في حالة تحول وليس فيه شيء دائم، لا شيء يوجد فيه نهائياً، هناك دائماً اشياء تولد وتختفي.

القسم الثاني مكون من عالم الأفكار الذي يسمح لنا بالوصول إلى المعرفة الحقيقية عن طريق استعمال عقلنا، عالم الأفكار هذا هو عالم مستعصِ على الحواس وبالتالي فإن الأفكار أو المُثل هي أزلية ثابتة.

افلاطون الفيلسوف الذي وقع من السماء وجلس على طرف شعرة الأرنب تعجب من رؤية كم التشابه الموجود بين الظواهر الطبيعية واستنتج من ذلك إنه لابد من وجود عدد لا محدود من (القوالب) هي فوق أو وراء كل ما يحيط بنا، هذه القوالب ما اسماه الأفكار، فوراء كل حصان أو خنزير أو إنسان، فكرة حصان أو خنزير أو إنسان.

في الجزء الثاني من مدرسة افلاطون الفلسفية سنعرض النفس الخالدة للإنسان ومملكته الفلسفية حول جمهوريته ومناقشة إحدى محاوراته وهذا سيكون في المقال القادم إن شاء الله.

 

كتبت/ إيمان الخطيب.