Gros Docteur Clot Bey

اكتشف محمد علي أن سقوط ضحايا في جيشه مرتبط بالأمراض أكثر من ارتباطه بالمعارك التي كان يخوضها حيث لا يوجد نظام واضح للتعامل مع تدهور الجرحي أو مع الأوبئة التي قد يواجهها الجيش في بلاد بعيدة يغزوها وفكر أنه إذا مد خط هذه الملاحظة علي استقامته سيكتشف أن عموم مصر يخلو من نظام صحي وبعد أن تداول الأمر مع مستشاريه كان القرار أن يبدأ بالجيش أولا فيخصص له حكيما أوروبيا.

فأرسل صديقا له إلى فرنسا طالبا منه أن يعود بحكماء للجيش من هناك وفي مارسيليا كان الأمر صعب ولم يلق العرض قبول الكثيرين لكن أنطوان كلوت كان مهيأ تماما للمهمة فقد بدأ رحلته الطبية من تحت الصفر مساعدا لحلاق وكان واضح للجميع أنه يسعى لمجد ما.

فوافق أنطوان كلوت وجاء إلى مصر وبدأ مهمته التي واجهت صعوبات في بدايتها فلم يكن لدى عموم المصريين همه للتعلم وخصوصا على يد رجل لا يتحدث سوى الفرنسية.

كان الحكيم الفرنسي يفكر في حل بينما يؤسس أول ديوان ( وزارة ) للصحة في مصر، في البداية أختار بعناية العاملين في الجيش وطور مهارتهم التنظيمية قبل الطبية ثم علمهم التمريض وكيفية العناية بالمريض وعندما لاحظ أن بعض ضباط الجيش يتعاملون بتعال مع التمورجية طالب بإزالة الإمتياز بين الضباط ومساعديه حتى لا يضيع مجهوده وكان له ما طلب.

ثم قرر البدء في إنشاء أول مستشفى عسكري واختاروا له منطقة أبو زعبل بالقرب من شمال القاهرة وقد أشرف الحكيم الفرنسي علي كل تفصيله فيه من معدات وآسرة وحديقة المستشفى ونوع النباتات الطبية التي ستتم زراعتها وجناح مدرسة الطب التي لا يزال يبحث عن طلبه لها.

فقرر الحكيم الفرنسي الإعلان عن حصول الطالب على منحة مالية وطعام مجاني طول فترة إقامته وبعد وقت قليل كان يقف في حديقة مستشفى أبو زعبل أول 100 شخص سيتعلمون الطب في مصر على يد الحكيم الفرنسي بمساعدة عدد من المترجمين الذين أختارهم بعناية.

على هامش المدرسة كان هناك معسكر كل مهمته ترجمة قائمة أعدها الحكيم الفرنسي تضم كتبا في الحكمة والطبيعة والجراحة وبعد تخرج عدد كبير من الطلاب تم توزيعهم على وحدات الجيش المصري وأختار الأكفاء منهم للعمل بالتدريس.

وفي عام 1830م أثبت كفاءة عالية عندما قام هو وتلاميذه بمكافحة وباء الطاعون وإنقاذ 60 ألف طفل من وباء الجدري بعدما طبق نظام التطعيم السنوي للأطفال فمنحه محمد علي لقب ” بك ” وعينه رئيسا لأطباء الجيش المصري.

وطلب ” كلوت بك ” من تلاميذه أن يتابعوه بملاحظاتهم عما تحتاج إليه البلاد طبيا وكانت الملاحظة الأهم وفيات الأمهات والأطفال عند الولادة لأن الرجال يمنعون الأطباء من الدخول على نسائهم ويفضلون موتهن عن إقتراب رجل غريب منهن، ففكر كلوت بك أنه بحاجة إلى طبيبات فأعلن عن إنشاء قسم للولادة في المستشفى ومدرسة للدايات لكن أحدا لم يهتم فقرر محمد علي شراء طالبات وبدأت المدرسة ب 10 فتيات من سوق العبيد في الحبشة وضم إليهن عددا من البنات اليتامى الصغيرات فكبرت الفكرة ونجحت وألحقهن كلوت بك بتلاميذه في مختلف أنحاء مصر وأبقى منهن عددا يدير قسم الولادة.

وفي عام 1837م تم نقل المدرسة والمستشفى إلى قصر العيني باشا وأنُشئ بجوارها مدرسة للصيدلة.
وكلوت بك هو أول من استخدم البنج في مصر عام 1847م في عمليات البتر وجراحة السرطان، وفي عهد الخديو عباس حلمي الأول رجع كلوت بك إلى فرنسا عندما أغلقت مدرسة الطب ثم عاد إلى مصر في عهد سعيد باشا عام 1856م الذي قرر إعادة فتح مدرسة الطب في احتفال ضخم ولكن اعتلت صحة كلوت بك فغادر مصر نهائيا عام 1858م عائدا إلى موطنه في مارسيليا بفرنسا وتوفى هناك سنة 1868م.

وقد أثرى كلوت بك المكتبة الطبية العربية بالعديد من المؤلفات الطبية بالإضافة إلى وضعه كتاب عن مصر اسمه ” لمحة عن مصر ” يعتبر من أهم الكتب التي وصفت النواحي الإجتماعية المصرية بدقة شديدة.
وقد كرمته الدولة المصرية عام 1873م بإطلاق اسمه على الشارع الذي يبدأ من ميدان الخازندار بالعتبة إلى ميدان باب الحديد ” رمسيس حاليا ” وكان هذا الشارع إحدى أشهر أسواق تجارة الغلال والحبوب ثم تحول إلى ساحة لممارسة البغاء الرسمي على مدى ما يقرب من نصف قرن إلى أن حُرم في أربعينيات القرن الماضي.

كتبت/ إيمي علي