إذا قمنا بإمعان النظر في كتب التاريخ لوجدنا صفحات سقوط الدول والحصول علي السلطة ملونة بالدماء والتاريخ الإسلامي ملئ بالمعارك ومن هذه الصفحات هي سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية .
فقد تأسست الخلافة الأموية على يد “معاوية بن أبي سفيان” وعاشت سنوات مزخرفة بالفتوحات فقد إمتد حكمها من أطراف الصين شرقاً حتى جنوب فرنسا غرباً كما تمكنت من فتح بلاد المغرب و إفريقيا والأندلس ولكن ولأن دوام الحال من المحال فبعد عدة سنوات طوال إنتشرت الفتن والإنقسامات وعمَّت الإضطرابات والفوضى ومع إنشغال الخليفة في الثورات والإنقلابات كان يحدث في فرقة في شمال الأردن ما هو أخطر على الدولة الأموية.
فقد إتخذ ” محمد بن علي العباسي “من الحميمة مركزاً له ولأبناءه وبدأ يدعو سراً إلى أن يكون الحكم في يد بني عباس وحين توفي تولى إبنه ” إبراهيم الأموي” الملقب ب “إبراهيم الإمام “حركته في الدعوة وإتخذ العباسيين من اللون الأسود شعاراً لهم لباساً وعلماً وعندما إزداد اللون الاسود في خرسان بدأ خوف حاكمها “نصر بن سيّار” فأرسل إلى “مروان بن محمد ” يستنجد به قائلاً:
أبلغ يزيد وخير القول أصدقه
وقد تبينت ألا خير في الكذب
إن خراسان أرض قد رأيت بها
بيضا لو أفرخ قد حُدّثت بالعجب
فراخ عامين إلا أنها كبرت
لمّا يطرن وقد سربلن بالزغب
فإن يطرن ولم يُحتل لهن بها
يلهبن نيران حرب أيّما لهب
معركه الزاب الكبري
في عام ٧٤٩م كان قد أقام العباسيون دولتهم ووصلوا إلى عاصمتهم في الكوفة مسيطرين على كل المساحة بين خرسان والعراق وتبقت المعركة الفاصلة وفي نفس الوقت وبعد علم “مروان بن محمد” بأن “إبراهيم الإمام “هو من كان يقود حركة الخلافة أرسل بطلبه من الحميمة فقُيِّدَ وأُرسل للمروان الذي قتله أملاً منه أن يخمد فتيلة الثورة ولكن ما إن علم أهل الكوفة بهذا حتى بايعوا أخيه عبد الله المُلقّب بي “عبدالله بن السفاح “خليفةً لهم وبالتأكيد لم تكن مهمته سهلة.
الدولة العباسية كانت في بدايتها كما بدأ يَعُدُّ لهم “مروان ابن محمد” جيشاً يقوده بنفسه لمحاربتهم فجَّهز “عبد الله بن السفاح” الجيش وأعطى لواءه لعمه “عبد الله بن علي” وحدثت المعركة وإلتقى الجيشان في منطقة الزاب على ضفاف نهر دجلة قريباً من الموصل وكان عدد الجنود الأمويين مئة وعشرون ألف جندي بينما جنود العباسيين عشرون ألف فقط ولكن مع قلة عددهم إلا أنهم تميزوا علي الجيش الأموي في التماسك و إرتفاع الروح المعنوية فقد كان النصر دائماً حليفهم في معاركهم السابقة.
أما الجيش الأموي فكان يعاني من رهبة بسبب إنتصارات الجيش العباسي وقلة الثبات في صفوفهم كان ناتج عن الصراعات الداخلية وكان “مروان بن محمد ” يدرك ذلك جيدا فكان يحاول بشتي الطرق أن يؤخر من وقت المعركة محاولةً منه لتهدئة روعهم قدر الإمكان وهنا حدث ما لم يتوقعه مروان فقد عصت ميسرة الجيش أوامره في البدء بالقتال فأندفع قائد الميسرة للقتال وكانت هذه شرارة الإنطلاق.
فألحق أضرار في ميمنة الجيش العباسي وإنحازوا للقلب حيث يوجد ” عبد الله بن علي “فأمر بن علي جنوده بالإلتفاف حول الأمويين واستطاع الجيش العباسي التصدي لهذه الأزمة وانسحبت ميسرة الجيش الأموي وعندما رأي المروان ذلك أمر باقي الفرق بالهجوم مستخدماً كثرة عددهم وتجاربهم السابقة ولكن الكثير منهم عصوا أوامره فى التقدم، ومن تقدم منهم تصدي له العباسيين بسهولة.
فرَّ الأمويين وتبعهم الجيش العباسي فيأسر منهم تارة ويقتل تارة وحتى ينجو مروان بنفسه فقيل أنه بمجرد أن عبر الجسر حتى قطعه خلفه فهرع الجيش للسقوط في النهر محاولين إجتيازه سباحةً ولكن غرق منهم الكثير حتى قيل أنه غرق من الأمويين أكثر ممن قتل منهم وسقطت المدن واحدة تلو الأخرى في أيدي العباسيين حتي حاصروا دمشق في ١٠ من رمضان سنة ١٣٢ھ -٧٥٠م و هدموا سورها وأباح لهم القتل فقُتِل في ثلاث ساعات ما يقرب من خمسون ألف شخص.
لم يفرق العباسيون بين الحجازي والأموي ولا أي أحد وألقيت جثثهم في النهر حتي تحولت مياه النهر للون الأحمر بل و حاصروا المسجد الأموي وجعلوه إسطبلاً لخيولهم لمدة سبعين يوماً وأمرهم “عبدالله بن علي”بنبش قبور جثث الأمويين منهم “معاوية بن أبي سفيان” فلم يجدوا في قبره سوي خيط أسود ونبشوا قبر “عبد الملك بن مروان” فلم يجدوا سوى جمجمته ثم قبر “هشام بن عبدالملك” فوجدوا جثته فأخذوها وصَلّبوها وجلدوها وتركوها هكذا لعدة أيام ثم أحرقوها ونثروها في الهواء ولم يكتفوا بهذا بل وأخذوا أرملته وتركها حافيه القدمين في الصحراء وهي شبه عارية.
لحق العباسيين بـ “مروان بن محمد” فقتلوه في مخبئه في كنيسة في مصر ووصل “عبدالله العباسي” إلي فلسطين حتي جمع الأموين المتبقين علي وليمة وقال لهم كلوا بسم الله فأكلوا وتعتريهم حالة من الرعب فما إن بدأوا حتي إنهال عليهم العباسيون فوق رؤسهم بالمطارق في مشهد دموي وأمر أن يوضع الأكل فوق جثثهم وجلس يأكل قائلاً ( بالله ما أشهي هذا الطعام).
في النهاية بالرغم أن الخلافه الأموية بها ثغرات عدة منها واقعة كربلاء التي هي نقطة سوداء في تاريخهم وموت الزبير وغيرها ولكن لا نستطيع إنكار فضلها في توسيع الخلافة الإسلامية من الصين لفرنسا فحكمت من عام ٤١ھ حتي عام ١٣٢ھ.
المصادر
•كتاب الكامل في التاريخ – بن أثير
•كتاب أطلس تاريخ الإسلام – د/حسين مؤنس
• كتاب عصر الدولتين الأموية والعباسية – علي محمد الصلابي