IMG 20210825 WA0106

كثر الكلام على الأنثى ونفد الحبر عن وصف خصالها فهي للبيوت نورها وحضنها مرتع للجميع تضمهم بحنانها ومنذ صغرها وهي تسير في فلك محدد خصص لها من طفلة صغيرة تحبو إلى فتاة يكفيها نظرة أمها وسكوت أبيها لتفهم عما يدار حولها ثم تتفجر ينابيع الشباب بقلبها
وفي لمح البصر يأتي صاحب النصيب ليخطفها من قلب أمها وعقل أبيها ووسط أخواتها ليعم الظلام بالبيت كله رغم إنارة المصابيح .
وتبدأ الأنثى في نسج حياة جديدة مع شخص اختاره قلبها ليكملا الحكاية معا وتسطر الخطوط لوضع قواعد البيت
وتمضي الأيام ويحمل قلبها الصغير بذرة طيبة أتت من نور العشق لتسلك طريقا مختلفا مليئا بالغثيان وهمدان وكلما كبرت منطقة البطن زاد الحنين لرؤية الجنين وكثر اللمس للطمأنينة وهمس الفم بالأسرار وفي أواخر الشهور تعبت الأقدام عن الحمل . ويصيبها وجع الولادة ليحل المولود عابس الوجه إلى الدنيا فتستقبله بابتسامة عريضة تنسيها التعب والوجع مؤقتا ولايكتفي المولود بقطب حاجبيه بل يأتي محملا بالمشاكل لتعلم أنها البداية التي تستمر في نسيج حكايتها مثل دودة القز التي تنسج خيوط الحرير هكذا هي الأنثى تربط خيوط وحكايات كل من حولها لتصبح سر الوجود وأصل كل بداية .

مضت أكثر من ساعة وهي منتظرة دورها بالعيادة أزعجها صوت المكيف ولكن حرارة الجو بالخارج مرتفعة وخاصة أن هذا شهر يوليو الذي تنسى فيه الشمس إن هناك بشرا فتزداد دون مبالاة وأرهقها ضجيج الصغار حولها لتنظر إليهم بغضب ثم تنتقل ببصرها بين زائرة جديدة ومريضة أنهت كشفها وسؤال يتكرر كل مدة علي الممرضة ” لوسمحتي متي سأرى الطبيب وتجيبها على الفور ” عندما يحين دورك يامدام ” لتصمت وتهاتف أختها بينما هي منشغلة بالحديث معها سمعت همسا بجانبها ورجل ممسكا بيد زوجته قائلا لها ” إن شاء الله الدكتور يبشرنا بالحمل” فتذكرت نفسها قبل تسعة شهور من الآن والقلق الذي كان باديا علي وجهها وشرايين قلبها التي كانت ملتهبة ولن يبردها سوى كلمة قالها الطبيب ” مبرووك حامل ” باغتها من فرحتها صوت يتنادى باسمها ” دورك يامدام ” لترد بسرها وأخيرا .
طرقت الباب ثم دخلت
قابلها الطبيب بنصف ابتسامة حيته ثم جلست ليكرر عليها سؤاله المعتاد : كيف حالك وحال الجنين وحركته ؟تغيرت ملامحها وارتفعت شفتاها قليلا ثم ترددت قبل أن تجيب والله يادكتور أشعر في تلك الأيام بقلة حركة الجنين وزيادة التعب
تابعها قائلا : لنفحص ثم نري ، تفضلي علي السرير .
قامت وقلبها يرتجف من الخوف والأعصاب مشدودة من التوتر نامت ثم قام الطبيب بفحصها ليرد مقوسا حاجبيه ووجهه يبدو جادا و مغيرا من نبرة صوته ” لقد جف الماء حول الجنين ولا بد من إجراء العملية في أقرب وقت ممكن انتابها القلق فكثيرا مايزعجها السرعة وضيق الوقت لترد بدون تفكير لنفعلها غدا
فرد الطبيب بإيماءة من رأسه .
خرجت من عند الطبيب والأفكار تطحن رأسها يمينا ويسارا حتى كادت أن يغشى عليها لولا أنها قامت بشرب كأس من العصير من الكافيه المجاور لعيادة الطبيب مهاتفة زوجها فهي بحاجة لمن يطمئنها ويهدأ من روعها وخاصة أنها تراعي ظروف عمله وانشغاله عنها وتركه لها تذهب للطبيب وحدها . تحتاج في هذا الوقت للأمان ولو من بعيد ، للحنان ولو بدون ملامسة الأجساد للاهتمام ولو بمكالمة صوتية ، تبدلت ملامحها وعرفت الابتسامة طريق وجهها بعد المكالمة فالزوج التأثير السحري على الزوجة مهما بعدت المسافات وتلاقت الأصوات لدقائق معدودة .

جاء الصباح ليبدد بقايا عتمة الليل وسطعت الشمس لتنير قلبها المظلم والمفعم بأسوأ الاحتمالات ، ذهبت للطبيب يدها بيد زوج واليد الأخرى محتضنة ملابس البيبي الذي سوف يبدد ملل الأيام ويضفي على البيت بهجة وفرحة جديدة ، وصلت فوجدت الطبيب والممرضات بانتظارها غرفة العمليات جاهزة ، قابلها الطبيب بابتسامة وبعض الكلمات ليطمئنها ، بدلت ثيابها ونظرت إلى زوجها نظرة طويلة فداعبها وقبل رأسها ثم دعا لها بالنجاح والخروج هي والبيبي بسرعة وفي أحسن حال.
داخل غرفة العمليات حيث يزاحم اللون الأبيض كل ماحولها وتحل الرهبة والصمت إلا من صوت المقص وهمس الطبيب وهي مستلقية على السرير فاقدة نصف الوعي كما يقول الطبيب ولكنها مدركة لكل ماحولها تشعر بالعجز عن التأوه وإبداء الألم الثاقب الذي يمتد من أظافر قدمها إلى شعر رأسها ، تريد أن تصرخ وتقول أنا أشعر ولستم كما تظنون تمزقون بطني كالبطة بحجة إني لا أعي لكن صدقوني ينفطر فؤادي معكم وتعجز أصابعي عن الاعتراض .
واللحظة التي بصرت فيها عينها على جنينها وهو ملطخ بدمائها وبمجرد أن تتعانق الأنفاس كفيلة على تبديد الهموم والأوجاع حيث يفترش التعب تحت قدميها وتحلق السعادة في القلب ليصبح هو محيطها الصغير بكل لحظاته وتفاصيله .
وبعد إتمام الجراحة خرجت شاحبة الوجه ، عاجزة عن الحركة ثقيلة اللسان وبجوارها جنينها مما هون الأمر عليها وقابلها زوجها بفرحة عارمة طار إليها يقبلها ويقبل جنينها قائلا لهم ” حمدا لله علي سلامتكم ”

بقلم : آيه ناصف