إنّ من المعلوم حدوث ثمة خلاف كل عام في مناقشة قضية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ونقول في هذا المقام، إنّ قضية الاحتفاء والاحتفال بمولد رسول الله -صل الله عليه وسلم- بالطريقة الصحيحة فرض على كل مسلم محب لنبيه ورسوله محمد، لكن طريقة الاحتفال هي التي تحدد الحلال والحرام منها.
وفي حديث خاص لدكتور عادل هندي، أستاذ مساعد بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، سوف نتعلم معا 10وصايا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
وصايا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:
أولا: تعلم احترام حقوق الإنسان والحيوان:
لقد نعمت البشرية بمنهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ أعلنها قولا وفعلا وهي ضرورة احترام حقوق البشر والحيوان، فها هو -صلى الله عليه وسلم- يحترم البشر كل البشر مهما اختلفت أفكارهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم، فيوم أن مرّت بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا» (حديث متفق عليه).
كما أنّ منهجه قائم على المساواة بين البشر وعدم التمييز بينهم لا لمنصب ولا لدرجة قرابة أو نسب، أو لكثرة مال أو جاه وسلطان، فالناس سواسية، فلا تجد هذا يقرّب منه، لأنه قريبه أو لأنه أكثر مالا أو غير ذلك، فالناس خلقهم الله جميعًا من نفس واحدة لإعلان مبدأ المساواة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، هذا بالنّسبة للبشر.
أما الحيوان واحترام حقه فحدِّث ولا حرج، هل لكم أن تذكروا معي قول النبي في شأن الكلاب، ففي الحديث الصحيح: عنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ “لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ، إِلَّا نَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ” [سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط].
أو ما تذكرون أمر العصفورة: ففي شأن العصفورة إذا قُتلَت بلا داعٍ أو احترام لحقها يقول -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح عن ابْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: «حَقُّهَا أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ»، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الرجل الأعظم الذي حمى الحقوق، وراعى المشاعر، وقدّر الأحاسيس سواء للبشر أو للحيوان.
ثانيًا: تعلم وسطية المنهج ويسره:
فالتشدد ليس من الإسلام، كما أن التساهل والتفريط ليس من الإسلام، بل لقد تميّز أسلوب سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- الدعوي والإنساني بالبساطة واليسر، فما كان كما يظن البعض متشددًا -حاشا وكلا- أو مطأطئ الرأس بين الآخرين، بل كان عزيزًا بتدينه وإيمانه ودينه.
إن من أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة الوسطية، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] والوسطية تعني في أبسط معانيها: العدل، الرحمة، الحكمة، التوازن، واليسر في كل الأمور.
إنّ هذه الوسطية جعلت من رسالة الإسلام طريقة سهلة التطبيق والاتباع، كما ساهمت في منح الإسلام طبيعة الصلاحية للتنفيذ في أي زمان ومكان ومع أي إنسان؛ لأنه دين الإنسانية.
كما أن منهجه اتسم بالوسطية واليسر في الحياة وطبائعها، يأكل كما يأكل الناس، ويهتم بأنواع الطعام والشراب، كما يهتم بالآخرة في ذات الوقت، وهذه قمّة الوسطية والتوازن.
فقد ورد في المعجم الكبير للطبراني، بإسناد حسـن، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالُوا: حَدَّثَنَا بَعْضٌ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَمَا أُحَدِّثُكُمْ؟ كُنْتُ جَارَهُ، «فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَكَتَبْتُ الْوَحْيَ، وَكَانَ إِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا»، فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ.
اقرأ أيضا: في العام الهجري الجديد .. كيف تهاجر إلى الله ورسوله؟
ثالثًا: تعلم الصدق والأمانة وعدم الكذب والخيانة:
العجب كل العجب من مقام هذا النبي الكريم؛ الذي اشتهر بين قومه قبل الإسلام بالصادق الأمين، والذي ما إن أعلن الإسلام رسالة جديدة إلى القوم، ما توقف القوم عن إيداع أماناتهم لديه، حتى أنه لما أراد الخروج من مكة مهاجرًا إلى المدينة ترك عليا ابن عمّه خلفه في فراشه ليرد الأمانات إلى القوم؛ حتى لا يقال أنه نصب عليهم أو أكل أموالهم وما كان ليحدث هذا منه أبدًا رغم عداوة القوم وإيذائهم له-.
إنّ أمانته وصدقه هذا دفع أبو سفيان ليشهد بالحق الذي يعرفه، وما كان له أن يكذب عندما وقف أمام هرقل وسأله عن أمانة النبي وصدقه، فأعلنها صريحة: ما جربنا عليه كذبًت قطّ!..
أمانته وصدقه هما اللذان دفعا امرأة كريمة عزيزة كخديجة لتعرض عليه الزواج بها!
أمانته وصدقه اللذان كانا سببًا في إسلام كثير من أبناء أواسط وشرق آسيا يوم أن هاجر إلى هذه البلاد أتباعه تجارًا، ورأى الناس أخلاقهم فأسلموا دون أن يتحدثوا عن الإسلام إلا بالصدق والأمانة في المعاملة!
رابعًا: طاعته فيما أمر، والانتهاء عمّا نهى عنه:
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7].
خامسًا: الاقتداء بأخلاقه:
ومن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الاقتداء بأخلاقه صلى الله عليه وسلم عن طريق معايشته في سيرته والتخلق بأخلاقه في كل حدث من أحداث الحياة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. وهو القائل: إنما بعثت لأتمم مكارم –محاسن- صالح الأخلاق، فلنلتزم بأخلاقه، فالاحتفاء الحقيقي يكون بالتخلق بأخلاقه العظيمة.
اقرأ أيضا: في المولد النبوي الشريف .. قصيدة “إنا كفيناك المستهزئين” دفاعا عن خير البرية
سادساً: الاتحاد تحت رايته والتمسك بوحدة أمته:
فإنه حينما تعود الأمة للوحدة والاعتصام فقد احتفلنا بحق حق الاحتفال، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
سابعًا: الدعوة إلى منهجه وسنته وسيرته، وإرشاد الناس للخير: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (رواه البخاري)..
ثامنًا: نصرة المظلوم:
نصرة المظلوم من أتباع دينه والسائرين على طريقته، فكما عند مسلم في صحيحه من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
وهو القائل أيضًا كما في الصحيح عند البخاري –رحمه الله-: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».
اقرأ أيضا: في ذكرى المولد النبوي الشريف… أوجه الرحمة والإنسانية في حياته
تاسعًا: معرفة سيرة الرسول:
قراءة سيرة النبيّ –صلى الله عليه وسلّم- ودراستها وتتبّع أحواله وأخباره؛ وهذا هو أعظم تفسير لمحبة الصحابة للرسول؛ لأنهم رأوْه وعاشوا معه أحداث الحياة، ورأوْا بأعينهم وقلوبهم كيف كان هو الرسول الإنسان؛ وإنك على قدر قراءتك وتعلّقك به على قدر ما يزداد الحب في قلبك.
عاشرا ً: إيثار أمره على هواك وعقلِك، وكثرة الصلاة على رسول الله:
لعلك تذكر معي موقف حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، حين أرسله النبي يوم الأحزاب كعيْن على المشركين في الجهة المقابلة للخندق أثناء المعركة، وقال له: (لا تُحدث في القوم شيئًا)، وكان أقرب ما يكون عندما ذهب من أبي سفيان، وكان يستطيع أن يقتله ويضربه، لكنه تذكّر أمر الرسول (ولا تُحدث فيهم شيئًا).
فأثر أمر الرسول على رغبته وعقله ورأيه.. وهكذا ينبغي علينا جميعا أن نؤثر ما يأمرنا به ليه وسلّم -صلى الله عليه وسلّم- في ديننا وعلاقتنا بربنا جل جلاله؛ فهو لا شك يعرف أكثر منّا، وما ينطق عن هواه أوعقله (إن هو إلا وحيٌ يوحي).
أما عن كثرة الصلاة عليه، فالصلاة قربى، وإذا كان الله يصلي عليه والملائكة كذلك، فقد أمرنا بالصلاة عليه: (صلُّوا عليه وسلّموا عليه تسليما).
ومن الأدب توقيره عند الحديث عنه، بتقديم السيادة له والصلاة عليه دائمًا؛ فهو ليس كأي أحد، وليس أقل مقامًا أو قيمة من معالي أو فضيلة أو سيادة أي إنسان.
هذه كانت وصايا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فهيا أيها المسلمون لنحتفي ونحتفل بمولد رسول الله بعودة حكيمة وحميدة إلى سنته وسيرته، ولنتخلّق بأخلاقه، ولنهتد بهديه، ولنقتف أثره في كل حين… رزقنا الله وإياكم شفاعته ومحبته ورفقته في أعلى الجنة يارب العالمين.
اقرأ أيضا: تعلم أخلاق النبي محمد داخل معرض كتاب جامعة الأزهر