لا أذكر المرة الأولى التي سمعت فيها أن دهن جسد الفتاة الرضيعة بدم وطواط ساخن يمنع ظهور الشعر الزائد عندما تكبر، لكنني أذكر جيدًا أني لعنت أمي مرارًا في سري لأنها لم توطوطني.
وكما تفعل كل الفتيات في بداية فترة المراهقة، تناقشت أنا وصديقاتي عن طرق عديدة في التخلص من الشعر الزائد، الذي كان يسبب لنا الإحراج دائمًا وأبدًا.
أذكر تمامًا كلمات التأنيب والتعنيف والوصف بشدة التعصب من قبل أمي، لإصراري على ارتداء قمصان ذات كم طويل حتى داخل المنزل، إلى أن بلغت سن الثامنة عشرة، وكنت أتلقى هذا الكم الهائل من التوبيخ في كل موسم صيف من أمي دون أن أجرؤ على مصارحتها أنني أرتدي الأكمام الطويلة لإخفاء منظر الشعر على يدي.
إلا أنها لم يخطر ببالها يومًا أن تعلمني طريقة نزعه ولم تنتبه أصلا إلى خجلي منه، وأنا أعيش دور الطفلة المؤدبة في نظرهم دائمًا، والتي لم تجرؤ يومًا على طلب كهذا منها، إلا أنني كنت أتلقى التوبيخ بصمت وأنا ألعنها سرًا لأنها لم توطوطني.

الوطوطة
وتقول الخرافة أن المولودة ما إن تولد إذا أتت أمها بخفاش حي وقامت بذبحه تأخذ دمه الساخن، فتمسح به جسد ابنتها الغض وتتركه أربع وعشرين ساعة حتى يمتصه الجلد تمامًا، فإنها تمنع ظهور الشعر عليه مدى الحياة.
اقرأ أيضًا: إرتقاء الإنسان…أنواع وإكتشافات
ينسب المصريون عادة الوطوطة إلى أجدادهم الفراعنة وما زالوا حتى اليوم، ينقسمون إلى فئة مؤيدة وفئة معارضة لهذه العادة، كما أن بعض المحافظات المصرية مثل: الفيوم، ما زال نساؤها حتى اليوم يمارسن طقس الوطوطة لبناتهن لترتحن في حياتهن المستقبلية على حد زعمهن، ومن اللافت أن تجارة الوطاويط منتشرة في هذه المناطق ويتراوح سعر الوطواط الواحد بين 300 إلى 500 جنيه ، أي ما يعادل حوالي 16 دولار.
كما أن هذه التجارة لها صيادون محترفون يقومون بصيد الخفافيش ليلًا عن طريق الشباك أو النبلة، والقدماء في هذه المهنة يزعمون أن النوع الأفضل لعملية الوطوطة هو خفاش الفاكهة، حيث أنه يتغذى على الفاكهة فقط، مما يجعل دمه آمنًا خاليًا من الجراثيم والفيروسات، التي قد تنتقل إلى دم الطفلة الرضيعة على عكس بقية أنواع الخفافيش التي تتغذى على دماء الحيوانات الأخرى.
تقول سميحة جدة صديقتي: “لقد قامت والدتي بوطوطتي عندما ولدت، لكنني عانيت من الحساسية وتهيج الجلد طوال حياتي بسبب ذلك، لو كانت تمتلك قليلًا من الوعي آنذاك لوفرت علي معاناتي”.
حكم الوطوطة في الإسلام:
أما عن حكم الوطوطة في الإسلام يقول أ.د (سلمان بن نصر الداية) أن هذا الفعل حرام شرعًا وتأتي حرمانيته من كونه دما مسفوحا ونجسًا، والدليل على نجاسته قوله تعالى: (قل لا أجد في ما أوحى إلى محرمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنه رجس) [الأنعام:145].

حكم الإسلام في الوطوطة
يستشهد الدكتور سلمان بن نصر أيضًا بحديث للنبي محمد _صلى الله عليه وسلم_ ينهي فيه عن التداوي بالنجس ولو بالدهان دون الأكل لحديث جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله عام الفتح يقول: “إن الله ورسوله حرم بيع الخنازير وبيع الميتة وبيع الخمر وبيع الأصنام”.
في النهاية يجمع فقهاء الدين الاسلامي على أن دهن الصغير بالدم عادة من عادات الجاهلية، ولقد نهى النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن التشبه بعادات الجاهلية.
اقرأ أيضًا: البطن بيت الداء والحمية رأس الدواء !!
رأي الطب في الوطوطة:
يقول الدكتور (جميل القدسي الدويك) أخصائي الأمراض الباطنية، أنه لا توجد أي دراسة تؤكد أن دم الوطواط يجعل جسد الطفل أملس، وأن ذلك محض خزعبلات ولا أساس له، مضيفًا أن دم هذا الوطواط قد يكون محملًا بالكثير من الفيروسات الخطيرة جدًا، إذا ما دخلت دم الرضيع الذي تكون مناعته ضعيفة من الأساس، والفيروسات التي تأتي من الحيوانات أخطر من تلك التي تأتي من الإنسان، كما رأينا في فيروس الإيدز الذي أتى من القرود، وفيروس انفلونزا الطيور، وانفلونزا الخنازير.

رأي الطب في الوطوطة
البدائل الآمنة لإزالة الشعر:
مع تطور الطب والتكنولوجيا تم اختراع تقنية الليزر التي تعد حلا نهائيًا وآمنًا لمشكلة الشعر الزائد، حيث انتشرت المراكز الطبية التي تستخدم هذه التقنية تحت إشراف أخصائيين مدربين للعمل على أجهزتها في كافة البلدان وبتكاليف تعتبر اليوم مقبولة جدًا وفي متناول الجميع.
أجلس اليوم وأضحك من جهلي السابق، أنظر إلى طفلتي وأتخيلها تضحك علي أيضًا إذا ما سمعت بقصة الوطوطة يومًا ما عندما تكبر.
كتبت: هديل بلول.