دور رعاية المسنين بين الرحمة والقسوة، يمر الإنسان في فترة حياته بمراحل كثيرة من الطفولة إلى الشباب ثم الشيخوخة، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ”، وهنا تظهر مراحل العمر المختلفة، حيث يبدأ الإنسان بالضعف في الطفولة ثم يكتسب القوة في الشباب ثم يعود إلى الضعف مرة أخرى في مرحلة الشيخوخة، وفي هذه المرحلة تأتي دور رعاية المسنين للعناية بالمسنين وتوفير الرعاية اللازمة لهم لتأمين راحتهم وسلامتهم ورضاهم العام.
دور رعاية المسنين بين الحقوق والعقوق:
تعد فترة الشيخوخة أو تعتبر فئة كبار السن من أهم الفئات المجتمعية؛ لأن التقدم بالعمر أمر طبيعي وامتداد لمسيرة الحياة الإنسانية لكل فرد في المجتمع، ولهذا كان الاهتمام بهذه الفئة أمرًا ضروريًا وواجبًا على مستوى الحكومات أو المؤسسات الخاصة، ومن مظاهر هذا الاهتمام ظهور ما يسمى بدور رعاية المسنين أو دور الرعاية الاجتماعية.
بداية ظهور دور المسنين:
بدأت فكرة دور المسنين في الغرب، حيث التفكك الأسري والحرية غير المنضبطة وغياب مفهوم الأسرة الواحدة، فبمجرد أن يكبر الأبناء يتفرقون ويستقلون بحياتهم بعيدًا عن الوالدين، وربما لا يلتقون مرة أخرى ولا يعرف بعضهم بعضًا، ولهذا كان من الطبيعي ظهور دور رعاية المسنين؛ لرعاية كبار السن الذين لا مأوى ولا معيل لهم ولا يستطيعون خدمة أنفسهم والقيام بمتطلباتهم اليومية.
ولكن الغريب هو ظهور مثل هذه الدور في الدول العربية والإسلامية، التي فيها الوصية بالوالدين والبر بهما والإحسان إليهما من أعلى درجات الثواب والجزاء الحسن، والسؤال الآن هل دور المسنين هنا من الحقوق أم من العقوق؟
اقرأ أيضًا: الأب هو السند 2021
هناك آراء ووجهات نظر متعددة في هذا الموضوع سنوجزها في رأيين اثنين:
الرأي الأول: رافض لها بشدة متعللًا بوصية الله بالوالدين وبرهما في حياتهما وحتى بعد مماتهما، ورافضًا لفكرة أن يكون جزاء الوالدين بعد العمر الطويل الذي انقضى في خدمة وتربية الأبناء أن ينتهي بهما الحال في بيت غير البيت الذي عاشا فيه، وقضى عمرهما فيه وبين أناس غرباء لا يعرفونهم وليسوا من أهلهم، كما أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن ينشغل الأبناء للدرجة التي لا يستطيعون فيها زيارة والديهم أو رعايتهم وقضاء الوقت معهم، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
الرأي الثاني: مؤيد لهذه الفكرة متعللًا بصعوبة الحياة وانشغال الأبناء الشديد؛ لتوفير احتياجات بيوتهم ومستقبل أولادهم، فهذا ابن أودع أمه دارًا للمسنين؛ لأنه يعمل هو وزوجته في وظيفتين ولا يعودان لمنزلهما إلا ليلًا ويقول الابن أيهما أفضل أن أترك أمي بمفردها طوال اليوم حبيسة البيت لا تجد من يؤدي لها طلباتها ولا حتى من يشاركها الحديث أم أن أضعها في مكان آمن تجد فيه من يخدمها وتجد فيه أصدقاء في مثل عمرها تتحدث معهم وأقوم بزيارتها بصفة مستمرة لأطمئن عليها؟
وهذه ابنة أودعت أباها دارًا للمسنين لأنها متزوجة وزوجها يعمل بالخارج وتسافر معه ولا تعود إلا شهرًا واحدًا كل عام، فهي ترى أن إيداع أبيها في هذه الدار نوع من أنواع البر به حتى لا تتركه وحيدًا بلا ونيس ولا جليس، وهناك حالات كثيرة مثل ذلك لضرورة وغير ذلك دون ضرورة للأسف؛ مما جعل دور المسنين مكتظة بالنزلاء، لا تستطيع أن تجد مكانًا شاغرًا فيها لأحد، وللأسف ستجد معظم الحالات عقوقًا وعدم بر وحجج واهية من خلافات بين الأم وزوجة الابن المتسلطة، أو الأب وزوج ابنته القاسية، أو بين الأخوة بعضهم بعضًا حول من يتحمل الأم أو الأب أكثر، بينما تجد القليل من هذه الحالات لضرورة مثل: سفر الأبناء للخارج، أو عدم وجود أبناء من الأساس.
مما سبق عزيزي القارئ يتضح لنا أن دور المسنين ليست الحل الأمثل لرعاية كبار السن، إلا في حالات طارئة محددة، مثل عدم وجود مكان للمسن للعيش فيه، أو عدم وجود أحد من أبنائه أو أهله للاهتمام به. وفي هذه الحالات، يجب التأكد من صحة الحالة والتدخل لعلاجها.
اقرأ أيضًا: تربية الأبناء… وما هي أهم 8 قواعد للتربية؟
كتبت: سحر علي.