يعتبر هذا السؤال هو أقدم سؤال في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، لماذا بنى قدماء المصريين القدماء أو الفراعنة الأهرامات تلك الصروح الشاهقة وتلك الجبال العالية التي تتكون من ملايين الحجارة التي يصل وزن بعضها إلى عدة أطنان من الكيلوجرامات؟ وكان الجواب الذي قالوا لنا ولجميع طلاب المدارس هو أن الأهرامات بنيت لتكون مقابر لجثث ملوك المصريين القدماء، لكن هذا الجواب رغم صحته لا يحمل إلا قشور الحقيقة.

إذا كنت تريد معرفة بعض الحقائق عن الأسباب الحقيقية للبناء عند قدماء المصريين والفراعنة والأهرامات، فهيا نغوص في أعماق التاريخ.

بداية بناء الأهرامات عام 2665 ق.م:

في هذا العام تولى الملك زوسر المؤسس الحقيقي للأسرة الثالثة، أو ما يسمى بعصر بناء الأهرامات، بعد أن تولى حكم مصر وقضى على نفوذ أمراء الأقاليم وأعاد الدولة المصرية إلى الحكم المركزي، حيث العاصمة منف مصدر كل السلطات.

بداية بناء الأهرامات

بداية بناء الأهرامات

عهد بتنظيم شئون دولته إلى الوزير الكبير إمحوتب، الذي كان الطبيب الأول والمهندس والكيميائي والصيدلاني في تاريخ البشرية، وقد بدأ هذا الرجل الموسوعي في تأسيس جميع العلوم المعروفة الآن، لكننا لم نجب بعد على سؤالنا القديم الحديث، لماذا بنى الملك زوسر تحديدًا هرمه المدرج؟ وهو أعلى وأقدم مبنى عرفته البشرية منذ عدة سنوات حتى انتزع منه الملك خوفو لقب أطول ناطحة سحاب في العالم منذ أكثر من أربعة آلاف عام، والجواب على سؤالنا لماذا بنى المصريون الأهرامات له سببان غير السبب الذي يعرفه الجميع وهو أن يكون قبرًا للملك.

أسباب بناء المصريين القدماء للأهرامات:

أولًا سبب ديني:

في هذه الفترة التاريخية من حياة المصريين، عبد المصريون الإله رع إله الشمس، وكان يعتقد أن الملك هو ظل الله على الأرض وأن الملك له طبيعتان إحداهما بشرية مثل كل البشر، يأكل ويشرب ويتزوج، وله أيضًا طبيعة إلهية مضيئة لشعب مصر، ويخبر أيضًا الملك عن الجواسيس والخونة أعداء الوطن، فيتخلص منهم وينزل عليهم الجزاء العادل بما اقترفت أيديهم، هذا ما أخبرنا به النحات الذي لا نعرف اسمه والذي نحت لنا تمثال الملك خوفو أعظم تمثال نحت في تاريخ البشرية، وصورته موجودة على العملة المصرية فئة العشرة جنيهات.

اقرأ أيضًا: مدينة الأهرامات.. إليك أبرز 16 مكانا من الأماكن السياحية في الجيزة

ولأن الإله هو الشمس، فيجب أن يكون قبر الملك مرتفعًا وقريبا قدر الإمكان من السماء والشمس حتى يتمكن الملك من الصعود إلى السماء بمساعدة السفينة الملكية، والتي تم بناء عدد منها اكتشفها في الأهرامات عالم المصريات كمال الملاخ عام 1954م، وأعيد تركيبها وتحمل اسم مراكب الشمس، ولهذا قرر المهندس المعماري والمهندس العبقري والوزير إمحوتب أن مقبرة الملك الفرعون زوسر يجب أن تكون عالية شاهقة فوق السحاب، فيجب أن تشرق الشمس على هذه المقبرة دائمًا وأبدًا، وأن يكون هذا المبنى مرئيًا للزوار من مسافات طويلة أيضًا.

السبب الديني لبناء الأهرامات

السبب الديني لبناء الأهرامات

كما أراد المهندس المعماري إمحوتب أن يكون بناؤه العظيم خالدًا يقهر الأيام والسنين وعوامل الزمن والرياح والأمطار باختصار، كان الملك زوسر يريد من إمحوتب أن يبني مبنى ينتصر على الزمن، وكان له ما أراد، ولهذا السبب اختار المهندس إمحوتب أكثر النماذج المعمارية المعروفة طبيعية، وهو الشكل الهرمي الذي يتناسب مع شكل الجبال العالية الصلبة وأوتاد الأرض.

حيث تتخذ الجبال بقممها الشاهقة شكل الهرم ذي القاعدة الكبيرة والجذور التي تتعمق في الأرض، وكلما صعدنا إلى قمة الجبل نجد أن الجبل يتضاءل في حجمه حتى ينتهي بنقطة وموطأ تقدر بعدة سنتيمترات، بينما تتكون قاعدته من آلاف الكيلومترات، وهذا مثال على قدرة الله، ولا نرى منه ولو لمحة أو ضوءًا أو نفسًا، ومن فيض ونور على نور لا يعلم أحد نهايته ولا حجمه ولا اتساعه، ولهذا فإن الشكل الهرمي هو نموذج من علم الله، الذي لا نرى منه إلا قدرًا يسيرًا، وأغلبه مخفي عنا حتى لا تحترق قلوبنا شوقًا إلى لقائه ونستمر في استكمال حياتنا.

ثانيًا سبب اجتماعي:

تحدثنا في بداية المقال أن أمراء المناطق كان لهم نفوذ كبير قبل عهد الملك زوسر، وأنهم كادوا أن يفرقوا مناطقهم ويحولوها إلى دويلات صغيرة داخل الدولة المصرية، وزرعوا بذور الحقد والكراهية والتنافس بين أبناء الوطن الواحد، وكان على الوزير العبقري أن يجد مشروعًا يوحد كلمة المصريين ويلتف حولها، فيعمل العامل الأسواني أهل طيبة بجوار عامل البحيرة أو أهلها حيث حي عين شمس وسيكون المكان في الجيزة؛ ليمتزج الدم والعرق والفكر والجهد المصري في هدف واحد يعيد اللُحمة الوطنية للبلاد.

كان مشروعًا هندسيًا يستمر العمل فيه عدة سنوات، يعيش فيه العمال المصريون بمختلف مناطقهم ولهجاتهم وعاداتهم في مكان واحد لعدة أشهر أو سنوات، ويمتزج هذا الخليط البشري في بوتقة واحدة، وسيظهر مصري جديد يؤمن بمدينته ووطنه الجديد، ويعامل جميع أبنائه بالعدل والمساواة، وهكذا سارت الأمور وجميع دول العالم تتبع هذا النهج بعد كل نكسة، أو هزيمة عسكرية، أو حرب أهلية.

يقول القادة السياسيون: “خلق مشروع وطني تلتف حوله كل طوائف الشعب لاستعادة تماسكها وترابطها والحفاظ على وطنها”، وهنا كانت عبقرية الوزير العبقري إمحوتب أبو السلام الاجتماعي قبل أن يكون أبا الطب والهندسة، ولهذا بنى إمحوتب هرمه المدرج، وتبعه ملوك الأسرة الثالثة سنفرو، خوفو، خفرع، منقرع، وغيرهم.

بناء الأهرامات كان مشروعًا عظيمًا ذا أهداف دينية واجتماعية، فكان قبرًا للفرعون يرمز إلى عظمته ومكانته الدينية، كما كان مشروعًا وطنيًا يوحد الشعب المصري ويعزز روحه الوطنية.

اقرأ أيضًا: اكتشاف أثري جديد في سقارة وأسوان 2023

كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم.