ذكرى ميلاد طه حسين.. قصة تحدي وتألق في عالم الأدب

في قرية صعيدية عام 1889، تنبعث روح فتى يُدعى طه حسين، الذي حتى بعد فقدانه لبصره في الصغر، أضاءت شخصيته الأدبية مثل شمس تتجاوز الظلمة، اكتسب شهرة وإشادة في عالم الأدب والفكر، وقال في لحظة من لحظاته الحاسمة: “ويل لطالب العلم إن رضي عن نفسه”، دعونا نستكشف مسار هذا العقل اللامع، الذي أثرى تاريخ الأدب العربي بأثر لا يُمحى.

سيرة طه حسين الذاتية:

اسمه بالكامل طه حسين علي بن سلامة، ولد في يوم الجمعة الموافق 15 نوفمبر عام 1889، في قرية بالقرب من مغاغة بمحافظة المنيا في صعيد مصر، وكان الابن السابع بين ثلاثة عشر ابنًا من أبيه حسين، ولم يمر على عيني الطفل طه حسين أربعة أعوام حتى أصيبتا بالرمد وانطفأ نورهما إلى الأبد؛ بسبب الجهل الشديد في ذلك الوقت، وعدم الاستعانة بالطب والأطباء، وإنما قام أهله باستدعاء الحلاق الذي وصف له علاجًا أضاع بصره، وكان والد طه حسين موظفًا صغيرًا في شركة السكر.

دخل كتاب القرية ليتعلم اللغة العربية وتلاوة القرآن الكريم وحفظه على يد الشيخ محمد جاد الرب، وبالفعل حفظ طه القرآن في مدة قصيرة أثارت دهشة أستاذه وأقاربه ووالده، كان طه حسين محبًا للقصص والأساطير مثل قصص عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي، كما كان يحب الاستماع إلى حلقات الذكر والإنشاد.

اقرأ أيضًا: الحارة المصرية تلمع في سماء نوبل الأديب نجيب محفوظ 2022

تعليمه ودراسته:

في عام 1902م، دخل طه حسين جامع الأزهر لدراسة العلوم الدينية والعلوم العربية، فحصل فيه على ما أراد من الثقافة العربية والدينية، وحصل على شهادته التي تؤهله للتخصص في الجامعة، لكنه ضاق ومل منها، فكان يصف الأعوام الأربعة التي قضاها فيها وكأنها أربعون عامًا بسبب رتابة الدراسة وعقم المناهج، وعدم تطور طرائق التدريس التي يتبعها الأساتذة والشيوخ.

وفي عام 1908م، فتحت الجامعة المصرية أبوابها، وكان طه حسين من أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية والحضارة الإسلامية، وعددًا من اللغات الشرقية كالعبرية والسريانية والتاريخ والجغرافيا، وكان خلال تلك الفترة ما زال يتردد على حضور دروس الأزهر وندواته اللغوية والدينية، حتى حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1914م، وكان موضوع رسالة الدكتوراة هو (ذكرى أبي العلاء).

وهذا الموضوع أثار جدلًا كبيرًا في الأوساط الدينية لدرجة اتهام أحد أعضاء البرلمان المصري له بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف، حتى صدرت أوامر من شيخ الأزهر في ذلك الوقت بعدم منح طه حسين درجة العالمية مطلقًا، وبالرغم من عدم حصوله على درجة العالمية في الأزهر الشريف، فإنه بلغ أعلى درجة علمية في الجامعة، بحصوله على شهادة الدكتوراه، وهكذا أصبح رجل (جامعة) بدلًا من أن يكون رجل (جامع)، وكان إفشاله في الجامع أعظم حافز له في النجاح الباهر في الجامعة.

وفي العام نفسه 1914م، أوفدته الجامعة المصرية إلى مدينة مونبلييه بفرنسا، لاستكمال دراسته والاستزادة من المعرفة والعلوم العصرية، فدرس في الجامعة الفرنسية الآداب وعلم النفس والتاريخ الحديث، وبقي هناك لمدة سنة حتى عام 1915م.

وعاد إلى مصر لمدة ثلاثة أشهر قام خلالها بإثارة الجدل وخوض معارك وخصومات متعددة، كان أساسها المقارنة بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية؛ مما جعل المسئولون يتخذون قرارًا بحرمانه من المنحة المعطاة له لاستكمال دراسته في الخارج.

لكن السلطان حسين كامل تدخل ومنع تنفيذ هذا القرار، فعاد طه حسين إلى فرنسا من جديد لمتابعة دراسته ولكن في العاصمة باريس، ودرس فيها علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث، وأعد رسالة دكتوراة ثانية في عام 1918م، كان عنوانها (الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون)، بالإضافة إلى حصوله على دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني بدرجة الامتياز، وفي أثناء تلك الفترة تعرف على سوزان بريسو التي تحمل الجنسية الفرنسية السويسرية فأحبها وتزوجها، وكانت أكبر داعم له وساعدته على الاطلاع أكثر باللغة الفرنسية واللاتينية، فأصبح متمكنًا من الثقافة الغربية إلى حد كبير.

اقرأ أيضًا: أحمد رجب.. 9 سنوات على رحيل الكاتب الساخر

الزوجة في حياة طه حسين:

كان للسيدة سوزان بريسو أثرًا عظيمًا في حياة طه حسين، فقد كانت تقوم له بدور القارئ، فقرأت عليه الكثير من الكتب والمراجع، كما أحضرت له العديد من الكتب المكتوبة بطريقة برايل حتى يستطيع القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الداعم ودفعته للتقدم دائمًا، ولهذا أحبها حبًا كبيرًا، وقد قال عنها أنه منذ أن سمع صوتها لم يعرف الألم طريقًا لقلبه، وانجب اثنين من الأبناء هما: أمينة ومؤنس.

أهم مؤلفات طه حسين:

كتبه الفكرية، أهمها:

• على هامش السيرة.
• الشيخان.
• الفتنة الكبرى عثمان.
• الفتنة الكبرى علي وبنوه.
• مستقبل الثقافة في مصر.
• فلسفة ابن خلدون.

اقرأ أيضًا: ذكرى وفاة الكاتب والصحفي صلاح عيسى

كتبه النقدية، أهمها:

• في الشعر الجاهلي.
• في الأدب الجاهلي.
• الحياة الأدبية في جزيرة العرب.
• فصول في الأدب والنقد.
• حديث الأربعاء.
• حافظ وشوقي.
• صوت أبي العلاء.
• مع أبي العلاء في سجنه.
• مع المتنبي.

كتبه الإثرائية، أهمها:

• المعذبون في الأرض.
• الأيام.
• أحلام شهرزاد.
• أديب.
• أيام العمر (رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم).
• دعاء الكروان.

وفاة طه حسين:

توفي طه حسين في يوم الأحد الموافق 28 أكتوبر 1973م عن عمر ناهز 84 عامًا، وقد قال عنه الكاتب والأديب عباس محمود العقاد: “طه حسين رجل جريء العقل مفطور على المناجزة والتحدي”.

وختامًا عزيزي القارئ، في ذكرى ميلاد العميد طه حسين، نستعيد إرثه الذي أضاء دروب العلم والأدب، وكلماته التي ما زالت رمزًا للإرادة والتفوق، فلنحتفل بتأثيره المستمر ولنستمد من دروس حياته القوة والإلهام.

اقرأ أيضًا: الأديب الإنسان

كتبت: سحر علي.