بداية حكاية زيارة الرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل تعود إلى يوم 19 نوفمبر عام 1977م، حيث وجه مجلس الشعب (البرلمان المصري) دعوة إلى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، لحضور الخطاب الذي سيلقيه الرئيس السادات أمام المجلس، وفق ما يذكره إسماعيل فهمى وزير الخارجية في ذلك الوقت، مؤكدًا أن هذه الدعوة كانت هي الأولى من المجلس لعرفات.
ويكمل فهمي ويقول: “إنه كان من المفروض أن يلقي الرئيس الراحل أنور السادات في المجلس خطابًا مكتوبًا، لكنه فجأة انحرف عن الخطاب وأعلن بانفعال شديد أنه على استعداد للذهاب إلى أي مكان في العالم حتى القدس نفسها، ويلقي كلمة هناك موجهة إلى الكنيست لو كان ذلك سيساعد في إنقاذ دم أبناء الشعب”، هذا الكلام صدم ياسر عرفات، وأعتقد أن السادات يتعمد قول هذا الكلام في وجوده، ولكن فهمي أكد له أنها زلة لسان وأنه غير متأكد من إمكانية قيام السادات بذلك فعلًا.
بداية زيارة الرئيس الراحل أنور السادات التاريخية لإسرائيل:
كانت الساعة الثامنة من مساء يوم السبت الموافق 19 نوفمبر عام 1977م، حين وصل الرئيس الراحل أنور السادات إلى مطار اللد في بداية زيارته التاريخية إلى إسرائيل، وذلك وفق ما ذكرته (الأهرام) في عددها الصادر يوم 20 نوفمبر 1977م.
خلفيات الزيارة:
في يوم 16 نوفمبر عام 1977م، تلقى الرئيس الراحل أنور السادات دعوة من مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت لزيارة إسرائيل، فرد عليه السادات في اليوم التالي بقبول الزيارة، وأصدر بيجن أمرًا رسميًا بأن يتم استقبال السادات بشرف وكرامة ليس كرئيس دولة فقط، وإنما كرئيس دولة (حليفة وقريبة) حسب وصفه.
اقرأ أيضًا: تعرف على رحلة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في الذكرى الـ 19 لوفاته
تفاصيل الزيارة:
في هذه الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل، كان يرافقه وفد مصري رفيع المستوى، مكون من الدكتور مصطفى خليل الأمين الأول للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، وحسن التهامي نائب رئيس الوزراء، وسعد محمد أحمد وزير القوى العاملة، وعثمان أحمد عثمان رئيس المجموعة البرلمانية بمنطقة القناة، وحسن كامل رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، ومصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار المعارض، وعبدا الباري سليمان وسالم اليماني عضوان بمجلس الشعب، والدكتور بطرس غالي نائب وزير الخارجية.
كانت هذه الزيارة تمثل حدثًا هامًا وانقلابًا في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وحسبما ذكر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه (خريف الغضب) أن الجماهير العريضة من الشعب المصري لم تكن تصدق أن هذه الزيارة ستحدث في يوم ما، وأن ما قاله السادات لا ينبغي أن يؤخذ بمحمل الجد، لكن عندما بدأوا يرون بأعينهم استعدادات الرحلة والمفاوضات الجارية بشأنها أمام عدسات التليفزيون في نشرات الأخبار، تحول إنكارهم إلى دهشة، وبدأوا يرقبون رئيسهم باستغراب وإعجاب.
ويذكر بطرس غالى أيضًا في كتابه (ستون عامًا من الصراع في الشرق الأوسط) حالة الرئيس الراحل أنور السادات وهو في الطائرة متوجها إلى إسرائيل قائلًا: “كان السادات يجلس بهدوء، كما لو أنه في رحلة طيران عادية، ويتبادل الحديث والنكات مع صديقه رجل الأعمال عثمان أحمد عثمان، ويقول بطرس غالي سألت السادات إن كان راضيًا عن الخطاب الذى أعددته له ليلقيه أمام الكنيست، فأجابني: “آه نعم، راضٍ تمامًا”، ولكني فوجئت بعد ذلك بأن الخطاب الذى قرأه السادات أمام الكنيست غير الذى كتبته أنا تمامًا.
اقرأ أيضًا: هل ستحقق محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين نجاحا بعد 70 عاما من الصراع؟
وبعد ساعة من التحليق من الإسماعيلية، بدأت الطائرة في الهبوط نحو مطار بن جوريون، وظهرت أضواء تل أبيب عبر النوافذ، ظل الرئيس السادات هادئًا كما كان، لم يظهر عليه أي شيء من العصبية أو الانفعال خلال هذه اللحظة التي نعلم جميعًا أنها تاريخية، كانت هناك أضواء قوية تنبعث من مئات الكشافات، وكانت مراسم الاستقبال سريعة، ويقول بطرس غالي: “وجدت نفسي بسرعة أجلس إلى جانب موشى ديان في سيارة ستنقلنا إلى القدس، وحاولت عبثًا الاستعداد نفسيًا للقاء كبار المسئولين الإسرائيليين، ولم أكن أتخيل أنه سيأتي يوم وأجلس بهذا الهدوء بجانب موشي دبان الشخصية الرمزية للجيش الإسرائيلي، هذا الذي كان القائد الأعلى للقوات خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ووزير الدفاع خلال حرب أكتوبر 1973، لم يكن سهلًا في ذلك الوقت أن أقيم حوارًا دون أن يبدو مصطنعًا ولكني كنت أعرف أن ديان مغرم بالآثار، بدأت اختلق حديثًا عن بعض عمليات التنقيب التي حدثت مؤخرًا، والتي أتيحت لي الفرصة أن أشاهدها بفضل زوجتي حيث كانت تعمل في مجال الآثار”.
ويقول أيضًا الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين أنه كان في ذلك الوقت بالكويت يعمل رئيسًا لتحرير مجلة العربي الكويتية، ويتذكر وقائع هذا اليوم قائلًا: “كان مشهدًا لا ينسى لأول طائرة مصرية تهبط في مطار بن جوريون الإسرائيلي، وينزل منها رئيس جمهورية مصر، ويستعرض حرس الشرف حاملًا الأعلام الإسرائيلية، ثم يأخذ في مصافحة كل الوجوه الإسرائيلية التي نعرفها، مناحم بيجين، جولدا مائير، أبا إيبان، موشى ديان”.
ويضيف بهاء الدين أن كل مصري في ذلك اليوم كان يشعر أن المسألة أكبر وأقسى من أن يراها بمفرده في بيته، لذلك كانت البيوت مملوءة بتجمعات من الأصدقاء والأقارب وزوجاتهم؛ لمشاهدة هذا الحدث التاريخي والمشهد الخارق لكل ما هو مألوف ونحن مذهولين من الدهشة، وبعد انتهاء نقل مشاهد الزيارة، كانت كل واحدة من الجالسات قد انطلقت إلى غرفة أو حمام وأغلقت الباب على نفسها، وأخذت تجهش بالبكاء بكاءً غزيرًا، وكان هذا رد فعل طبيعي ومتوقع بعد مشهد كهذا، والشاذ هو غير ذلك، كان المشهد كأنه غير حقيقي، وهذا الحدث غير العادي بكل المعايير لا بد له خلفيات عميقة ونتائج بعيدة المدى.
اقرأ أيضًا: مذبحة خان يونس.. صفحة مظلمة في تاريخ الظلم والمقاومة
عواقب الزيارة:
أثارت زيارة الرئيس الراحل أنور السادات التاريخية لإسرائيل ردود فعل عاصفة في العالم العربي والعالم كله، وخاصة في البلدان العربية التي أطلقوا عليها جبهة الرفض: سوريا وليبيا والعراق والجزائر؛ وأدى ذلك إلى دعوات من الجامعة العربية لعكس مسار مصر، بينما من الجانب المصري استمرت المحادثات بعد ذلك في مدينة الإسماعيلية المصرية بوساطة أمريكية من الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر ليتوصل الجانبان إلى اتفاق ثنائي في كامب ديفيد بلغ ذروته في معاهدة سلام تم توقيعها في مارس 1979م.
بعد ذلك وفي يوم 6 أكتوبر الحزين عام 1981م، أثناء مشاهدة العرض العسكري السنوي بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصارات مصر في حرب أكتوبر 1973م، اغتيل الرئيس الراحل أنور السادات غدرًا ويقول البعض أن أحد دوافع القتل هو اتفاق السلام الذي عقدته مصر مع إسرائيل.
وختامًا عزيزي القارئ، فإن زيارة الرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت رحلة شجاعة ترسم فصلًا جديدًا في كتاب التاريخ الشرقي، فتركت آثارها العميقة وأحداثها ترسخت في الوجدان العربي، ورغم اغتياله في 1981، إلا أن إرث السادات وتوقيعه على اتفاقية السلام في كامب ديفيد يظلان شاهدان على محاولاته الجادة لتحقيق السلام في المنطقة.
اقرأ أيضًا: ما هو الجيش الثالث الميداني المصري ؟ وما هو تاريخه ؟ وما هي مهمته الأساسية ؟
كتبت: سحر علي.