اشتهرت أقاليم مصر بجلسات عرفية بين سكان الحي الواحد يتحدثون ويتشاورن في أمور خاصة أو عامة، لا تخلو هذه الجلسة من الحوار الذي يتخلله كوب الشاي الذي يجعل الجلسة مؤنسة، في صعيد مصر وريفها هناك مصطلح مشهور يسمى جلسة المصطبة وهى عادة أصيلة مشهورة بين الناس يتم خلالها التحدث وأخذ المشورة.

في القاهرة وفي المقاهي بالخصوص كثيرًا ما تجد مجموعة من الأفراد يجلسون يتحدثون في أحلام العمل على المشروع الخاص الذي يجمعهم، وتجد كل واحد يقول رأيه ورؤيته في كيف سيكون شكل العمل داخل هذا الحلم، ودائمًا ما يكون هناك صوت أو صوتان مختلفان عن الباقي ما يجعل الحديث يأخذ منحنى الاختلاف وليس الخلاف، ثم يتبخر السبب الرئيسي في هذا الجمع ويبدأ كل واحد منهم في التهكم والمبادرة في السب والقذف.

في العمل وخاصة المصالح الحكومية أو المؤسسية التي يغلبها الطابع الروتيني، نجد أيضًا أنماط الحديث عن الإصلاح ويقابله الفساد ويتحدث الرجل بما يقضي به وقته وكذلك السيدة، ربما في هذه الأماكن لا يوجد حديث عن الغد سوى إن كان يخص الترقية، ولا تجد حديثا عن التطوير سوى لوضعية المكاتب، ولا تجد هناك مصطلح التصور سوى لو كان لورق، ودائمًا ما ينتهى حديثهم بميعاد الانصراف أو قبله إن استطاع بحجة ما أن ينصرف.

اقرأ أيضًا: ما الدنيا؟.. عرض المشكلة أولا

أيضًا لا يخلو الشارع المصري من عقد جلسات الصلح بين الأفراد في نطاق عرفي خارج حدود الإطار القانوني من محاضر قسم الشرطة والعرض على النيابة والدخول في معترك المحاكم، جلسات الصلح هذه كان يحضرها الكبار ليس في السن فقط ولكن في المكانة الاجتماعية وأغلب هذه الجلسات تكون في إطار الجدية وينتهى الحوار بحكم على أحد أطراف النزاع الذي يجد في إجماع أصحاب الرأي والمشورة إلزام بتنفيذ ما اقروه ولا يحيد عنه.

على مستوى الشارع العربي، هناك مثل هذه الأمثلة الثلاثة خاصة في تلك الأحياء البدوية والريفية؛ لأن بداخل أفرادها ما زال يحترمون آراء الكبار منهم لما يجدون في آرائهم الحكمة والرشد.

هناك رغبة حقيقية داخل العقل البشري والنفس البشرية عامة، رغبة دفينة بالتحدث والحديث مع الآخر ومن هذه الرغبة يخرج الكثير من الكلام لا يهم إن كان كلامًا هامًا أو غير هام أو إن كان كلامًا ملزما أو غير ذلك المهم أن يتحدث الإنسان، ويأخذ الحديث هذا أشكالًا كثيرًا منها الحديث عن النفس.. الحديث عن الآخرين أو الحديث عن مشاكل الآخرين وهذه الصورة هي الأكثر انتشارًا، الرغبة في الحديث عن الآخرين عامة هي السمه التي يتشارك بها عامة الناس.

في إطار المجتمع الدولي، قد لا يستطيع البشر جميعًا القيام بذلك الأمر وهو التحدث عن بعضهم البعض وفي مشاكلهم الخاصة، فمن خلال أحداث كثيرة في النطاق السياسي والاجتماعي والاقتصادي وبعد تطورات كثيرة في حياة البشر ظهر لدينا ما يسمى بمجلس الأمن الدولي وقد يظن من اسمه أنه مجلس يحقق الأمن في الدول أو للبشر كما ينص دستوره وقانون العمل به، إلا أن الأمر غير ذلك.

هو مجرد وضع الرغبة الإنسانية في التحدث في شئون الآخرين في إطار مكاني ولها شكل قانوني، وهى الصورة المتطورة من جلسات الصلح العرفية وجلسات المصاطب إلا أنها في إطار دولي يختص بكل النزاعات الدولية كما يقولون.

إذا ما راجعنا قراراته في كل الصراعات الدولية سنجد أغلبها مثل جلسة الأصدقاء حين يجلسون في المقاهي يحلمون بمشروع خاص يجمعهم، يجتمع في كل نزاع إقليمي أو دولي مجلس الأمن ليناقش المسألة وعند تحليل هذا الاجتماع أو تجريده من الشكل الرسمي أو القانوني لا يزيد عن كونه جلسة مصطبة أو جلسة قهوة بين أصدقاء حلم على أقصى تقدير.

في اجتماعهم الأخير (والذي لا يعلم عدده سوى الصحفيين وقنوات الأخبار لطبيعة عملهم)، بخصوص حرب غزة التي تزداد حدة كل يوم عن سابقه ويزيد بها الخراب والدمار والقتل والذي في وقت انعقاده لا تتوقف إسرائيل عن أفعالها الإجرامية، يظل كل مندوب يعبر عن رأيه وتتبادل الأدوار في النقاش من أجل اتخاذ قرار يوقف هذه الحرب البشعة، يظهر للعيان حقيقة هذا المجلس إذ ما سمعنا كلمة مندوب روسيا بالأمم المتحدة: “لدينا مخاوف جدية من عدم تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن على أرض الواقع، والجيش الإسرائيلي يقتحم مستشفى الشفاء بينما تلقي وفود مجلس الأمن خطابات بليغة”.

هل نستطيع أن نسميه مجلس المكلمة الدولي، أم أنه حقيقي كما يتشدون بالتصريحات هو مجلس لتحقيق الأمن عبر اتخاذ القرارات التي تساعد في تحقيق الأمن الأممي، وإن كان كذلك فلماذا كل هذه الأحداث التي تحدث ليس فقط في فلسطين وإنما في بقع كثيرة في العالم والشرق الأوسط بالخصوص، هل هذا المجلس فقد مصداقيته في السنوات الأخيرة، وهل سوف يتحرك لتحقيق الأمن الفعلي باتخاذ قرارات حقيقية وملزمة تجاه دول العالم؟

سؤال حائر ينتظر مزيد من الأحداث كي نجد له جوابًا.

اقرأ أيضًا: القمر وجانبه المظلم

كتب: مصطفى رجب.