يشتكي بعض الناس من رائحته الكريهة ويحب البعض الآخر هذه الرائحة، يتهمه البعض بأنه مسبب للتسمم ويدافع عنه البعض باستماته، ينصح الأطباء بعدم تناول الفسيخ ويصفه محبوه بأنه ألذ وأنفع ما يمكن أن يؤكل، تكاد تتساوى الفئة المولعة بهذه الأكلة مع الفئة الكارهة لها، ويرفضها البعض دون أن يفكر في تجربة تذوقها.
أصل الفسيخ:
ينسب أصل الفسيخ، صناعته وأكله إلى المصريين القدماء، مكونه الأساسي هو سمك البوري الذي يخزن مملحاً وهي طريقة تقليدية قديمة لحفظه من التلف، وأكثر ما يميز الفسيخ رائحته النفاذة التي يمكن أن تكون سبب سمعته السيئة، يطلق على من يقوم بعمله (الفسخاني).
يعد الشعب المصري أشهر آكلي الفسيخ بين شعوب العالم ويرتبط هذا النوع من الطعام بيوم (شم النسيم)، وهو يوم تحتفل به العديد من الشعوب في بداية فصل الربيع، يصادف موعده في اليوم التالي لعيد الفصح الشرقي حيث درجت العادة أن يخرج المصريون في هذا اليوم إلى الحدائق وإلى ضفاف نهر النيل كي يحيوا ذكرى يوم شم النسيم على عادة أجدادهم الفراعنة، ويكون الطبق الرئيسي في هذا الاحتفال هو هذه الأسماك المملحة، ومن لا يفضل أكل الفسيخ لقوته المعهودة كما يصفونه فيكون الاختيار الثاني والأكثر انتشارًا في مصر أيضاً هو أكل (الرنجة) في هذا اليوم بالذات.
اقرأ أيضًا: شم النسيم في زمن الكورونا
رنجة أم فسيخ؟
تختلف الرنجة عن الفسيخ بأنها نوع من السمك المستورد المجمد، الذي يعيش شمال المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادئ، ويتم استيرادها إلى مصر من الدول المطلة عليهما، ولا تختلف صناعتها وحفظها كثيرًا عن الفسيخ إلا أن معظم الناس يفضلون الأخير عليها لأنه يصنع من السمك المحلي الطازج.
نبروه بلد الفسيخ:
تعد مدينة إسنا بالأقصر، أول مدينة في التاريخ عرفت صناعة الفسيخ، وتشتهر عزبة البرج في دمياط بابتكار خلطة سرية لصناعته، أما نبروه في محلة المنصورة فتعد اليوم أشهر مكان لإنتاجه حيث تحوي أكثر من ثمانين محلاً لهذه الأكلة، يتناقل أصحابها هذه المهنة أباً عن جد.
يقول السيد (شريف) الفسخاني أنهم يشترون سمك البوري الطازج من بور سعيد أو من دمياط ثم يغسلونه ويملحونه ليظهر في أجمل وجه، سر نجاح الفسيخ هو حفظه في براميل من الخشب وليس البلاستيك لأن الخشب كما يقول طري وحنون على السمك (السمك بيخش البلاستك بيتهان أما لما يخش الخشب بيطلع أحلى مما دخل عليه).
توضع طبقة من الملح الخشن وطبقة من السمك حيث ترص فراخ السمك الى جانب بعضها البعض ثم يوضع فوقها طبقة من الملح الخشن أيضًا ثم طبقة من السمك وهكذا دواليك حتى امتلاء البرميل الذي يغطى في النهاية بقطعة من النايلون وفوقها كمية كبيرة تصل إلى ستة كيلو جرامات من الملح لتشكل عازلًا عن الوسط الخارجي يمنع دخول الهواء والذباب، بعد ذلك تغلف فتحة البرميل بقطعة من الورق البني السميك التي تثبت بربطها بإحكام بخيط سميك من القنب ثم يترك من 20 إلى 25 يوم قبل فتحه.
ويتم تهيئة مناخ ملائم له في مستودعات التخزين كالتكييف وسخانات الغاز كي لا يتعفن، بعد هذه المدة يعتبر السمك ناضجًا جاهزًا للأكل، يقول السيد شريف هناك بعض الفسخانية يضعون مع السمك والملح زيت أو كركم أو فلفل حار لكنهم في نبروه لا يستخدمون لحفظه سوى الملح.
أما عن أغلى أنواعه فهو الذي يحوي بطارخ (بيض السمك) فيصل سعر الكيلو جرام الواحد منه إلى 1500 جنية مصري لما لهذه البطارخ من قيمة غذائية وفوائد كبيرة ولا يتوافر هذا النوع إلا خلال شهري نوفمبر وديسمبر من السنة.
اقرأ أيضًا: مصمم الأزياء السوري مهند بيش يقدم لكِ نصائح لموضة شم النسيم
بلدان تأكل الفسيخ أيضاً:
بلدان شبه الجزيرة الإسكندنافية أيضًا تشتهر بتناول الأسماك المملحة التي تشبه هذا الطعام المصري الشهير، وتعتبر من طقوس احتفالات عيد الميلاد، وتطلق شعوب كل من السويد والنرويج والدنمارك على الأسماك المملحة اسم (الماس الأيسلندي)، ويحضر الفسيخ الإسكندنافي بالعديد من النكهات كنكهة الخردل والشبت والطماطم والكاري، ويقدم مع شرائح البصل وسلطة البطاطس والبيض والثوم، بالإضافة إلى خبز الجاودار والقرنفل والبهارات.
لا تخلو المتاجر في هولندا أيضًا من الأسماك المملحة التي تعد أحد أشهر مأكولات أمستردام الشعبية، وجزء لا يتجزأ من التقاليد الهولندية، ويزداد تواجدها في الفترة ما بين مايو إلى بداية يوليو، ويستغرق تحضيرها خمسة أيام بعد إزالة رأسها وأمعائها والقيام بتمليحها، لكن مع الإبقاء على ذيلها، فالشعب الهولندي يحب عند تناول الأسماك المملحة رفع السمكة إلى أعلى من ذيلها ثم قضمها تعبيرًا عن فرحه بتناول هذا الطعام ذي الشعبية الكبيرة.
في اليابان، تعد الأسماك النيئة والمملحة أحد أكثر الوجبات الشائعة فهي الوجبات الأوسع انتشارًا على المستويين المحلي والعالمي، ويحوي المطبخ الياباني أنواعًا عديدة من الأسماك المملحة كالحبار وسمك الإسقمري (الماكريل) والتونة والأخطبوط، وغيرها من المأكولات البحرية المستخدمة في تحضير الأطباق اليابانية الشهيرة مثل (الساشيمي)، و(تشيراشي زوشي)، و(السوشي) التي تعد أطباقًا رئيسية لا غنى عنها في المطبخ الياباني، وهي مرتبطة بالموروث الثقافي الياباني منذ قرون.
اقرأ أيضًا: أسماك القرش.. حقائق وسلوكيات وكيفية التعامل معها
بين مؤيد ومعارض:
يعزو الأطباء تحذيراتهم بعدم تناول الفسيخ إلى سببين رئيسين هما:
أولًا الملح:
من المعروف أنه كلما زادت ملوحة الطعام، ارتفع ضغط الدم، ولذلك فهي غير صحية للمرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
ثانيًا التلوث:
نتيجة لتعرض السمك للتلوث أثناء تجهيزه تنتشر فيه الجراثيم التي تؤثر على الجهاز العصبي، فتظهر على المريض أعراض التسمم وهي عبارة عن زغللة في العين وازدواجية في الرؤية، وجفاف بالحلق، وصعوبة في الكلام والبلع، وضيق بالتنفس بالإضافة إلى ضعف بالعضلات تبدأ بالأطراف العليا وتنتقل إلى باقي الجسم.
وإذا لم يسعف المريض بشكل سريع تكون حياته معرضة للخطر وقد تصل إلى الوفاة، ذلك بالإضافة إلى أعراض التسمم الغذائي التي قد تحدث مثل: القيء والإسهال والمغص الحاد والغثيان وارتفاع درجة الحرارة، وفي حالة شعور أي شخص ببداية تلك الأعراض يجب عليه التوجه فورًا إلى أقرب مستشفى لأخذ المصل المضاد.
أما أنصاره فيشجعون على تناوله لفوائده العديدة فهو يعدّ مصدراً غنياً للبروتين والكالسيوم والفوسفور إذ يحوي على كميات عالية منها وبذلك يعد ذا قيمة غذائية عالية، لذلك فهو يساعد في تكوين عضلات الجسم ويقوي الجهاز المناعي، كما يحتوي على مضادات أكسدة مفيدة للجسم، ويعد السمك المملح وخصوصًا الفسيخ والرنجة فاتحًا ممتازًا للشهية.
اقرأ أيضًا: 8 من فوائد السمك وأفضل أنواعه لصحة الإنسان
كتبت: هديل بلّول.