على مدى خمسة قرون تزيد أو تنقص على حسب تقدير بداية اتجاه البشر لاحتساء القهوة التي لا نستطيع الجزم بتاريخها الدقيق إلا أننا نستطيع أن نعرف مدى تأثيرها اليوم على جميع أركان الحياة العصرية، في الوقت الحاضر أصبح البن من أهم الزراعات ومنتجاته من أهم الأشياء المتداولة حول العالم إلا أن البن بعدما ينبت وتتكون حبوب يمر بمراحل كثيرة قبل أن يصل إلى فنجان القهوة الذي نحتسيه.
كيف ذلك وما مراحله؟
العملية البسيطة التي يمر بها البن هي أنه ينبت في أرض يملكها شخص أو شركة ثم يتم حصاده ونقله من بلد إلى بلد، ثم يمر بعملية التحميص بعدها يطحن ثم يخلط بالماء ويوضع فوق النار ويقدم ساخن، أثناء هذه العملية البسيطة يدخل ضمن الكثير من العمليات الحسابية والتجارية والصناعية بل والدولية أيضًا.
تبدأ الحكاية بفلاح يقوم برعاية الأرض من سقي وحرث ولا مانع من رش بعض المبيدات أو الكيماويات وكل هذه العمليات لا تحدث إلا ببذل الجهد والمال في سبيل إتمام الأمر بالطريقة المثالية حتى ينتج الفدان أقصى طاقته أو يكون عامل في شركة، وهو أيضًا يقوم بكل ما يقوم به الفلاح إلا أن هناك مؤسسة كاملة تقوم على توفير كل ذلك له وكذلك الآلات الحديثة التي تزيد من إنتاجية الأرض الزراعية.
اقرأ أيضًا: ما الدنيا؟.. اختلاف الراوي وظنية البداية
الفلاح يبيع إنتاجه لتاجر والتاجر لتاجر آخر حتى يصل المحصول مجمعًا إلى شركة كبرى أو تاجر رئيسي والذي بدوره يقوم ببيعه إلى آخر رئيسي في بلد آخر، أما العامل الذي في الشركة فإن الشركة تقوم بكل شيء، فهناك موظف يقوم بالحصر وآخر بالتخزين وهناك من يجرد وهناك من يحسب وهناك من يسعر ومن يعمل في المبيعات ومن يراسل دوليًا لبيعه خارج البلاد وهناك من يقوم بعملية النقل من كل مكان إلى آخر من الأرض إلى المخزن ومن المخزن إلى مخزن أكبر ثم أكبر فأكبر، إلى أن يصل إلى ميناء النقل سواء بري أو بحري وفي أثناء ذلك تمر حبة البن بالكثير من البشر الذين يعملون عليها.
الأمر يتم في مصر بطريقة عكسية تمامًا بالأساس مصر لا تتم زراعة البن؛ نظرًا لطبيعة المناخ والأرض لذلك يتم الاعتماد بطريقة شبه كلية على استيراده من دول أخرى، هذه العملية العكسية التي تتم يكون بدايتها من شركة كبرى تستورد وهذه الشركة تقوم على عدة موظفين فهناك إدارة مشتريات تقوم بالتنسيق مع إدارة المبيعات في الدولة الأخرى، وهناك أيضًا مندوبين في الميناء سواء البري أو الجوي وإدارة نقل وتخزين وموظفي حسابات ومراجعات وحصر، ثم يأتي دور المبيعات التي تسوق المنتج لتجار جملة وتنقل إليه ثم يقوم بدوره ببيعها لآخر يجزئها أو يقوم بتحميصها أو طحنها وتعبئتها، ثم تباع إلى محالّ البقالة أو المعارض ثم بالنهاية تصل إليك أو إلى المكان الذي يقدمها إليك كمشروب ساخن.
هذه الصورة السابقة هي الصورة المثالية التي من المفترض أن تكون خط السير الطبيعي الذي تأخذه حبة البن من الأرض إلى أن تصل في يدك، لكن الأمر لا يتم بهذه الصورة المثالية أو حتى شبه المثالية، إذا ما نظرنا إلى الواقع نجد أن هناك قطاعًا ماليًا كبيرًا يقوم على خدمة هذا المنتج وهناك تكلفة كبيرة في كل خطوة أو حركة، وهناك الآلاف من البشر تعمل في هذه التجارة أو متفرعاتها وهي تمر بعدة مالكين لها لا بد من أن يربح منها ما يجعله قادرًا على سداد ما عليه من التزامات لدولته أو لشركته، أي أن تلك الحبة الصغيرة تحرك الكثير في العالم الكبير.
نتيجة لهذه التكلفة الضخمة التي تحدث من أجل كوب من القهوة أصبح سعرها كل يوم في ارتفاع، الأمر الذي يجعل من البعض يخلطه بأشياء أخرى حتى يقلل التكلفة ثم هذه الأشياء الأخرى تزايدت وكثرت وتنوعت وقلت جودتها هي الأخرى، فكل مالك لها يريد أقصى استفادة منها وهو يحاول أن ينتج أفضل منتج مخلوط منها فينوع ويبدل شيئًا مكان آخر إلى أن أصبح البن نادرًا في كوب القهوة فهناك سؤال هام متى وكيف يستطيع أن يشرب المصريون كوبًا من القهوة الجيدة وأنا هنا لا أتحدث عن الجميع ولكنني أتحدث عن الأغلبية.
اقرأ أيضًا: ماذا يعود على العالم من جلسات مجلس الأمن؟
كتب: مصطفى رجب.