٢٠٢٤٠٣٠٣ ١٩٣٤٣٢ scaled

ونحن على أعتاب شهر رمضان المبارك وما يفصلنا عنه إلا أيام معدودات أوصي نفسي وإياك عزيزي القاريء وأقول: “احذر الفيلة في رمضان”، لا تتعجب عزيزي من النصيحة، فما قرأته صحيحًا، وسيزول عجبك عندما تقرأ السطور القليلة القادمة.

احذر الفيلة في رمضان:

في يوم ما كان الإمام مالك جالسًا في المسجد النبوي كعادته يروي أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والطلاب حوله يستمعون في اهتمام، فإذا برجل يصيح: جاء للمدينة فيل عظيم!

ولم يكن أحد من أهل المدينة قد رأوا فيلًا قبل ذلك، فكما هو معلوم أن المدينة ليست موطنًا للفيلة، فما كان من الطلاب الجالسين للاستماع إلا أن يتركوا المسجد ويسرعوا ليشاهدوا الفيل، وبالفعل تركوا الإمام مالك جالسًا إلا طالبًا واحدًا، هو يحيى بن يحيى الليثي حيث بقي جالسًا ولم يتحرك، فقال له الإمام مالك: “لماذا لَمْ تخرج معهم؟، هل سبق لك أن رأيت الفيل من قبل؟”، فرد عليه يحيى بكل هدوء: “إنما جئت إلى المدينة لأرى الإمام مالكًا لا لأرى الفيل”.

احذر الفيلة في رمضان
احذر الفيلة في رمضان

ولو تأملنا هذه القصة لوجدنا العبرة منها، وهي أن واحدًا فقط من الطلاب الحاضرين هو الذي كان على علم بهدفه من الحضور، ولماذا أتى ولذلك لم يتشتت ولم يهدر طاقاته واهتمامه هنا وهناك، بينما الآخرون خرجوا لمشاهدة الفيلة ونسوا هدفهم الأساسي الذي من أجله حضروا للمسجد أو حضروا للمدينة نفسها، وهنا يتضح عِظم الفرق بينهم، ونتيجة ذلك كانت رواية الإمام (يحيى بن يحيى الليثي عن مالك) هي الأساس المعتمد للموطأ، أما بقية الطلاب المتفرجين لم يذكرهم لنا التاريخ، ولم يتركوا أي أثر.

اقرأ أيضًا: ليلة النصف من شعبان.. بوابة الفضائل والاحتفالات الروحية

الفيلة في زمننا الحالي:

كالعادة ما الحاضر إلا تكرار للماضي ولكن بصور وأشكال مختلفة، وفي زماننا هذا يتكرر الفيل ولكن بصور مختلفة وطرائق متعددة وخصوصًا في شهر رمضان المبارك، ولهذا فإنك في الشهر الفضيل تجد الناس على نوعين:

  • نوع حدد هدفه، ويعلم جيدًا ماذا يريد من شهر رمضان، وما هي الثمرة المرجوة والتي يريد أن يحصدها.
  • نوع آخر غافل عنه، مشتت بين هذا وذاك، حيث تجذبه أنواع الفيلة المختلفة، والتي للأسف تنتشر وبكثرة في هذا الشهر المبارك، وهي القنوات الفضائية بما تحويه من مسلسلات وأفلام وسهرات وأغاني، الموبايلات التي سهلت الدخول والتصفح على مواقع التواصل المفسدة، كل أنواع المحرمات والمغريات هي فيلة هذا الزمان، في شهر رمضان وفي غيره من الشهور.
الفيلة في زمننا الحالي
الفيلة في زمننا الحالي

هل شهر رمضان للعبادة فقط؟

في كل عام يتبادر لذهن الكثيرين سؤال هام، وهو: “هل شهر رمضان للعبادة فقط؟” الإجابة وباتفاق أهل العلم “لا”، فلا يجوز تخصيص شهر رمضان كله للعبادة فقط، لأن عبادة الله ليست صيامًا وصلاة وتلاوة قرآن وغير ذلك من أشكال العبادة المعروفة، ولكن ذهابك إلى العمل لكسب رزقًا حلالًا عبادة، معاملتك الطيبة للناس عبادة، خدمة المرأة في بيتها لزوجها وأولادها عبادة، كلمتك الطيبة وتبسمك في وجه أخيك عبادة، زيارتك لمريض عبادة، وغير ذلك من أشكال العبادات الإنسانية التي تبتغي بها مرضاة الله سبحانه وتعالى.

هل شهر رمضان للعبادة فقط؟
هل شهر رمضان للعبادة فقط؟

ولا يتنافى هذا مع إعطاء الشهر الكريم بعض الخصوصية، أو تخصيصه بشيء من الفضل، وكيف لا، وقد فضله الله -سبحانه وتعالى- وأنزل فيه القرآن الكريم دون غيره من بقية شهور السنة، وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وجعل الشهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.

وختامًا عزيزي القارئ، تناولنا الفيلة التي بجب الحذر منها خلال شهر رمضان المبارك، وكيف لنا أن نجتهد ما استطعنا ونجاهد أنفسنا لكي نجني ثمرة هذا الشهر الفضيل من الرحمة والمغفرة والعتق من النار، فالحذر الحذر من الفيلة وبريقها والانشغال بها؛ لأنها ستسلب منك وتحرمك أفضل أوقات العام، ونسأل الله أن يسلمنا رمضان ويتسلمه منا متقبلًا، وأن يتفضل علينا برحمته وغفرانه والعتق من نيرانه، اللهم آمين.

اقرأ أيضًا: تعرف على 10 قيم من رحلة الإسراء والمعراج

كتبت: سحر علي.