هل تعتقد أن الصيام يمكن أن يكون أكثر من مجرد امتناع عن الطعام والشراب؟ هل تساءلت يومًا الحكمة من الصيام، يعتبر الصيام لحظة تأمل وتواصل مع الذات والخالق، فما هي الدروس العميقة التي نستطيع أن نتعلمها من وراء هذه الفترة المباركة؟ في هذا المقال، سنتعمق في فهم أسرار الصيام، ونستشرف الحكمة التي تنطوي عليها هذه العبادة العظيمة.

الحكمة من الصيام:

لو تتبعنا الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت الصيام، لاكتشفنا الحكمة من الصيام ووجدنا أن هناك حكمًا متعددة له وهي:

1-تحقيق التقوى:

شرع الله تعالى صيام شهر رمضان لحكمة ذكرها في القرآن الكريم في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” [البقرة: 183].

تحقيق التقوى

تحقيق التقوى

والتقوى في أبسط تعريف لها كما قال العلماء، هي أن يراك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك، فإذا استجاب المسلم وترك ما هو مُباح في الأصل، فإن امتناعه عما حرمه الله تعالى في كل وقت وحين هو الأولى.

اقرأ أيضًا: تجنب التشتت.. احذر الفيلة في رمضان وركز على الهدف

2-التوبة وترك المنكرات والاعتياد على الصالحات:

جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن لم يدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه”.

التوبة وترك المنكرات والاعتياد على الصالحات

التوبة وترك المنكرات والاعتياد على الصالحات

وهذا الحديث يوضح لنا الحكمة من الصيام، فقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى لم يشرع الصيام من أجل الامتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المباحات في الأصل، وإنما الصيام مدرسة يتعلم فيها المسلم الوجه الصحيح للدين الحق في العبادات والعادات، فـ (قول الزور) يقصد به الكذب وقول الباطل (والعمل به) يعني العمل بالباطل، والمسلم الصائم يجب أن يترك ما اعتاده من التقصير في عباداته أو عاداته مثل ترك الصلاة، أو ترك صلاة الفجر، أو ترك الصلاة مع الجماعة، وعقوق الوالدين، ومتابعة الأفلام الهابطة، والكذب، والرشوة، وليعزم على التوبة، مع الاستمرار بعد رمضان على ما اكتسبه في رمضان من عمل الصالحات وترك المُنكرات.

والحديث السابق في مدرسة الصيام يعلمنا درسين:

  • الأول: أنه يجب على الصائم ترك الذنوب والمعاصي أكثر من غيره، وإلا لم يكن لصيامه معنى.
  • الثاني: أن الذنوب والمعاصي تجرح الصوم وتُضعف ثوابه، وإلا ما كان لتخصيصها بالذكر في هذا الحديث أي معنى.

3-تطهير الجوارح واللسان:

الحكمة من الصيام أيضًا أنه تطهير للجوارح واللسان من قول السوء، وضبطها بالقول الطيب والكلمة الطيبة، وقد رُوي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: “إذا صُمتَ فليَصُم سمعُك وبصرك ولسانك عن الكذب والمَحارم، ولا تؤذ الخادِم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامِك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواءً”.

وفي حديث آخر لأبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم”.

تطهير الجوارح واللسان

تطهير الجوارح واللسان

و(الرَّفَث) هو الكلام الفاحِش، أما (الصخَب) فهو رفع الصوت على الناس عند الغضب، كما يجب أيضًا على المسلم الصائم ترك الاستِرسال مع من يخاطبه بالكلام الخارج عن الأدب واللياقة، وذلك بعدم الرد عليه، مع إشعاره بالمانع له عن ذلك، والباعث له على التزام حُسْن الأدب ألا وهو الصيام، وليقل له بعبارة صريحة (إني امرؤ صائم).

وختامًا عزيزي القارئ، بعد بيان الحكمة من الصيام وذكرنا بعضها، نذكرك أنها كلها روافد تصب في نهر التقوى، وأن الصيام ما كان أبدًا ليشعر الغني بجوع الفقير وحرمانه، أوصيكم ونفسي بشحذ الهمم، وشحن النفوس والأرواح لاستقبال روحانيات هذا الشهر المبارك، فقد خاب وخسر من أدرك شهر رمضان وخرج منه ولم يغفر له، نسأل الله تعالى أن يسلمنا رمضان ويتسلمه منا متقبلًا، ويجعلنا فيه من عتقائه.

اقرأ أيضًا: تعرف على 10 قيم من رحلة الإسراء والمعراج

كتبت: سحر علي.