يختلف الناس في تصرفاتهم عند استقبال شهر رمضان الكريم، ما بين باحث لاهث عن لقمة عيشه من وراء تجارته بالفاحشة وتسويق السوء بين الناس، وما بين كسول خمول مُعَطِّلٍ للإنتاج والعمل بحجة الصيام ورمضان، وما بين عاشق لأيامه ولياليه، قام يفتّش عن منافذ البر والطاعة ويتسابق مع المتسابقين، إذا كان بلوغ رمضان نعمة من الله وفرصة للعبد ومصلحة مادية ومعنوية لكل عاقل، فيجب أن نأخذ بالأسباب في حسن استقبال هذا الضيف الذي جاء لترميم جدران العقول والقلوب والجوارح، ولقد فهمَ المسلمون الأوائل أنّ شهر رمضان هو شهر جهاد وعمل وأخذ بالأسباب لا شهر نوم وكسل وخمول.
وفي حديث خاص مع أستاذ دكتور مساعد عادل هندي استاذ مساعد بكليه الدعوة الاسلامية جامعة الأزهر، سوف نتعرف معًا على عدة وسائل لاستقبال شهر رمضان الكريم منها:
وسائل استقبال شهر رمضان الكريم:
أولًا الدعاء ببلوغ رمضان:
فقد يرى البعض عند استقبال شهر رمضان الكريم أنه حتمًا سيحضـر رمضان، وهذا خطأ بلا شكّ، فكم من مسلم تاقت نفسه، واشتاق فؤاده، وردّد لسانه: (اللهم بلغني رمضان) إلا أنّ الموتَ فاجأه فلم يبلغ رمضان، لكن ينبغي أن نزداد أملًا في ربّنا باللجوء إليه والدعاء، كما كان يدعو كثير من الصالحين بقولهم: (اللهم بلغنا رمضان)، (اللهم سلّم إلينا رمضان، وسلّمنا إلى رمضان، وتسلَّم منّا رمضان).
وقد كان النبيّ يدعو إذا دخل الشهر ورأى الهلال يدعو فيقول: “اللهم أهله علينا باليُمْن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربّك الله”، والدعاء جزء من الاستعداد النفسيّ المطلوب قبل رمضان، وإن أكرمك الله بدخول رمضان وبلوغه فخصِّص لنفسك وقتًا تخلو فيه بربّك.
اقرأ أيضًا: 22 نية للصيام.. رحلة إلى أعماق القلب وتحقيق الهدف
ثانيًا إعلان الفرحة والبهجة باستقبال شهر رمضان الكريم:
فلا يصح أن تكون الأيام كلها على درجة واحدة من المحبة، خاصة وأنّ ربّ العزة -جل وعلا- هو سبحانه مَن فضل الأيام بعضها على بعض، وحريّ بالمسلم العاقل أن يفرح بأيام الطاعات، قال تعالى: “قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” [يونس: 58].
وقد كان النبيّ حريصًا أشدّ الحِرص على إظهار بهجته وفرحته بشهر رمضان، فحَكَت لنا كتب السنّة أنه أتى أصحابه في بداية رمضان وأخذ يهنئهم بقدومه؛ ففي الحديث: عن أبي هريرة، قال: لما حضر رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم”، وعليه فلا بأس بأن يجتهد الناس في تعليق الزينة وإظهار السرور بقدوم رمضان، وإشراك الأبناء في إظهار سعادتهم بالشهر الكريم، كما لا بأس من أن يلتقي المسلم بأخيه فيهنئه بقدوم رمضان بأي صيغة تحمل معنى جميلًا.
ثالثًا المبادرة بالتوبة من كل ذنب وتقصير:
هو قانون يسميه علماء القلوب: بـ (التخلية قبل التحلية)، ومعلوم خطورة الحِرمان الذي يلحق بالمقصّـِر المُذْنِب، فحين جاء أحدُهم إلى أحد الأئمة يسأله عن حرمانه من قيام الليل، فقال له: “قيّدتْك ذُنوبُك” وصدق الإمام في قوله؛ فلنبادر بالتوبة قبل استقبال شهر رمضان الكريم.
ولنحرص على المبادرة السريعة فلا يدري أيُّنا متى يأتيه الموت، وقصة قاتل المائة أكبر دليل على عظيم أثر التوبة على العبد؛ فالله يفرح بتوبة العبد، ويغيّر من أجل توبته نواميس الكون، كما وقع مع هذا القاتل التائب وأمر الله أرض الطاعة أن تقترب حين قاسوا بين الأرضين فوجدوه أقرب إلى أرض الطاعة، فكتبوه من أهلها، وقد نأى بصدره لأنه يريد التوبة، فليكُن نأي المسلم بعقله عن الأفكار المنحرفة، وبقلبه وعاطفته عن الحيوانية، وبجوارحه عن الشهوات المبثوثة ليل نهار.
اقرأ أيضًا: تعرف على 10 قيم من رحلة الإسراء والمعراج
رابعًا سلامة الصدر وإصلاح ذات البين:
فلا يُعقل أن يتم استقبال رمضان الكريم الذي هو شهر الكرم والجود والحب والتآلف، ولا زال كثير منا في خصومة مع أخيه وأقاربه وجيرانه، إننا بحاجة إلى إعلان المحبة شعارًا للناس في موسم رمضان وفي كافة الأيام.
وهذا شأن الصالحين، كان من دعائهم: “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ” [الحشـر: 10]، وقد أمر الله تعالى بإصلاح ذات البين بقوله: “فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” [الأنفال: 1]، فاحرصوا أيها المسلمون على سلامة الصدور من الغل والحقد والحسد، وسلوا الله تعالى أن يطهّر القلوب من تلك الأمراض، وأن يقودنا إلى ما يحبه ويرضاه.
خامسًا حدد هدفَك وضع خُطّتَك الآن:
يقول الله تعالى: “فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ” [محمد: 21]، كن صادقا مع ربّك، وحدّد ماذا تريد أن تحقق في رمضان؟ فإن أردت تحديد الهدف فعليك تحديد الصحبة التي تعينك في رمضان على طاعة الرحمن واختيار البيئة والمسجد الذي سيعينك على طاعة الله، وتحديد أورادك من القرآن والقيام والذكر والدعاء والصدقة والصلة.
وحين تستعد لاستقبال شهر رمضان الكريم تكون قد جهّزت ماذا ستصنع في رمضان مع القرآن، والذكر والدعاء؟ وليكن حاديك في سعيك قول الله تعالى: “لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ” [المدثر: 37].
اقرأ أيضًا: صوم الروح وتجديد النفس.. اكتشف الحكمة من الصيام
سادسًا تعرّف على ما يحبّه رمضان وما يكرهه:
فهو كضيف عزيز كمثل باقي الضيوف يحب أشياء ويكره أشياء، وحريّ بالمَزُورِ العاقل الواعي أن يبتعد عما يكرهه زائرُه وضيفُه، ومن بين ما يكرهه رمضان (التسويف في العمل الصالح، البخل والتقتير، الإسراف والتبذير، إضاعة الوقت والسهر الطويل بلا فائدة، النوم الكثير والكسل والخمول، الغيبة والنميمة، الغضب والانفعال بحجة الصيام، ترك الأعمال وعدم جودة المهام والوظائف بحجة أنه صائم).
وأخيرًا بعد ساعات قليلة نستعد لاستقبال شهر رمضان الكريم، نسأل الله -عز وجل- أن يتقبله منا ويعيده علينا أعوامًا عديدة، ويعيننا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اقرأ أيضًا: تجنب التشتت.. احذر الفيلة في رمضان وركز على الهدف
كتبت: نيفين رضا الدميري.