تراث متجدد.. مسجد المرسي أبو العباس يروي تاريخه

٢٠٢٤٠٥١٤ ٢١٤٢٠٩

في قلب محافظة الإسكندرية، يحكي مسجد المرسي أبو العباس قصة فريدة من نوعها، تتجلى في تاريخه العريق وتصميمه البارز، مسجد يحمل بين جدرانه أسرار العلم والدين، يقف شامخًا بواجهته ذات اللون الأصفر ومنارته الشامخة بارتفاع 73 مترًا ورموزه الجذابة، هل ترغب في الغوص في أعماق هذا المسجد؟ دعنا نستكشف سويًا تاريخ هذا المسجد وقصة أبو العباس المرسي، الرمز الذي جسد التسامح والعلم في قلوب المصريين وزوارها على مر العصور.

ما حكاية مسجد المرسي أبو العباس؟

يقع مسجد المرسي أبو العباس في منطقة الأنفوشي بالإسكندرية، ويعد من أضخم مساجد المحافظة، يتميز بواجهته ذات اللون الأصفر ومنارة بارتفاع 73 متر و4 قبب عظيمة وتصميمات من الأرابيسك، وقد قال الشيخ حسن عبد البصير مدير إدارة الدعوة بأوقاف الإسكندرية عنه: “إن مسجد المرسي أبو العباس من أهم المساجد الدينية بالمحافظة لمكانته في مصر والعالم أجمع، ويعد من أبرز مباني الفن المعماري الإسلامي، وأحد أهم المزارات الدينية بالإسكندرية”.

ما حكاية مسجد المرسي أبو العباس؟

اقرأ أيضًا: تراث يحكي قصة.. مسجد أحمد بن طولون وجمال العمارة الإسلامية

خلفية تاريخية عن مسجد المرسي أبو العباس:

لم يكن هناك أي بناء يغطي قبر أبو العباس المرسي حتى عام 1307، إلا أن الشيخ زين الدين القطان قام بتشييد ضريح وقبة عليه، وأقام مسجدًا وأضاف منارة مربعة الشكل، وفي سنة 1477م أعاد والي الإسكندرية في عصر الملك الأشرف قايتباي بناءه، ويعود إنشاء المسجد على هيئته الحالية للمهندس الإيطالي ماريو روسي، الذي ولد في روما بإيطاليا في عام 1897م، وبعد تخرجه من مدرسة الفنون الجميلة أتى إلى مصر في سن العشرين من عمره ضمن مجموعة من المهندسين الأوروبيين الذين استقدمهم الملك فؤاد الأول للعمل في وزارة الأشغال والإشراف على القصور الملكية في ذلك الوقت، والذي صمم بعد ذلك جامع القائد إبراهيم في محطة الرمل بالإسكندرية.

خلفية تاريخية عن مسجد المرسي أبو العباس

وقد أمر الملك فؤاد الأول بإنشاء ميدان يطلق عليه ميدان المساجد ضم مسجدًا كبيرًا لأبي العباس المرسي، ومسجدًا للإمام البوصيري والشيخ ياقوت العرش، ومسجد المرسي أبو العباس.

تصميم مسجد المرسي أبو العباس:

صمم المسجد على شكل ثماني منتظم من الداخل، بلغت مساحته 3000 متر مربع وكل ضلع من أضلاعه يبلغ طوله 22 مترًا في الضلع القبلي للمسجد توجد القبة والمئذنة، وله بابان رئيسان البحري والقبلي وكلاهما يقعان على الميدان، بينما تقع مرافق المسجد في الضلع الغربي ولها باب خاص على الميدان، خصصت أضلاعه الأربعة المتبقية من الشكل الثماني لتكون بجانبها أضرحة أربعة، الأول ضريح العارف بالله أبى العباس، والثلاثة الأخرى لتلاميذه وأتباعه.

ويبلغ ارتفاع حوائطه 23 مترًا، بينما ترتفع منارته عن سطح الأرض 73 مترًا، بنيت أعمدة المسجد الـ 16 من حجر الجرانيت المستورد من محاجر بالينو بإيطاليا، حيث يتكون كل عمود من قطعة واحدة مع قاعدته وتاجه، وهو على شكل ثماني أيضًا قطره 85 سم وارتفاعه 8.60 متر، ويبلغ ارتفاع سقف المسجد من الداخل 17.20 متر، وتتوسطه شخشيخة ترتفع 24 مترًا عن مستوى أرض المسجد، ويحيط بها أربع قباب موضوعة فوق الأضرحة الأربعة، ويبلغ قطر الواحدة منهن 5 أمتار، ولها سقفان أحدهما داخلي مرتفع عن أرض المسجد بمقدار 22 مترًا ويعلوه الثاني بارتفاع 11 مترًا وقطر دائرته 7.5 متر.

تصميم مسجد المرسي أبو العباس

حوائط المسجد من الخارج مكسوة بالأحجار الصناعية، أما سلالم المدخل مصنوعة من الجرانيت المصري، بينما أرضياته فمن الرخام الأبيض والجزء السفلى من الحوائط من الداخل مغطى ببلاط الموزايكو بارتفاع 5.60 متر، أما الجزء العلوى منها فمكسو بالحجر الصناعي، وقد نقشت الأسقف بزخارف عربية، كما صنعت أبوب المسجد ومنبره ونوافذه من أخشاب التك والليمون والجوز بتعاشيق وحليات دقيقة الصنع، وقد أجرى صاحب الجلالة الملك الصالح (فاروق الأول) تعديل في المسجد، فجعل مكانًا للسيدات يمارسن فيه الشعائر الدينية له باب خاص.

من هو أبو العباس المرسي؟

أبو العباس المرسي أو المرسي أبو العباس كما ينطقها أهالي الإسكندرية هو أحد أولياء الله الصالحين في مصر، واسمه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجي الأنصاري المرسي، الذي ولد في مدينة مرسية في الأندلس عام 616 هـ الموافق 1219م، ومنها حصل على لقبه المرسي والذي يتصل نسبه بالصحابي سعد بن عبادة، كان جده الأعلى قيس بن سعد بن عبادة أميرًا على مصر من قبل سيدنا الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- سنة 36.

وقد حفظ القرآن والتفسير كاملًا في عام واحد؛ فظهرت عليه علامات النجابة والفقه، في سن الخامسة عشر تعلم التجارة من والده بمدينة مرسية بالأندلس، وجاء إلي مصر واستقر بمدينة الإسكندرية إلي أن توفي عام 1281م، وهو عالم دين صوفي، حيث يعد من أبرز رجال الصوفية في سلسلة الطريقة الشاذلية؛ لأنه تعلم علي يد الشيخ أبو الحسن الشاذلي، وقام بإنشاء مدرسة لتحفيظ القرأن وتدريس الفقه والسنة، حتى أصبح له مترددين من جميع أنحاء العالم.

وختامًا، يظل مسجد المرسي أبو العباس رمزًا للتاريخ والهوية الوطنية، ومثالًا حيًا للتناغم بين العمارة الإسلامية الرائعة وروح التسامح والتعايش.

اقرأ أيضًا: حكاية مكان.. المسجد الأقصى أسرار وتاريخ

كتبت: غادة إبراهيم.