الوالدة باشا

الأميرة أمينة هانم إلهامي، الوالدة باشا أو أم المحسنين كما أطلقوا عليها، جميلة ذات شعر داكن وبشرة بيضاء عيناها معبرتان تنطق دون كلمات، تخيلها وهي تتجول في أيام الصيف، حيث الشمس المُشرقة حول بستان قصرها المطل على مضيق البوسفور، كانت شديدة التأثير على ضيوفها، ومتحدثة لبقة، حسنة المظهر ترتدي العباءة، وعادة تخرج مع بعض خدمها في رحلات بحرية على متن قاربها الذي كان يغطيه غلاف مخملي أزرق، ليعرفه الناس على طول ضفاف البوسفور عند مرورها.

نبذة مختصرة عن الوالدة باشا أم المحسنين:

  • هي واحدة من أعظم شخصيات القرن العشرين، ذكراها ما زالت حية في القصر الذي سمي باسمها، أطلق عليها عدة ألقاب هي صاحبة العصمة وأم المحسنين والوالدة باشا، تشتهر بأنها صاحبة الطراز الخاص في العلم والأدب والتربية، وسيدة التعليم الأولى في مصر، التي كانت مضرب المثل في الجود والسخاء والإحسان.
  • الأميرة أمينة هانم إلهامي، كبرى بنات الأمير إبراهيم إلهامي بن عباس حلمى الأول بن طوسون باشا بن محمد على باشا، ولدت في يوم 24 مايو 1858م، وتعلمت القراءة والكتابة، كانت تجيد اللغتين العربية والتركية، كما تعلمت أيضًا تعاليم وآداب الدين الإسلامي.
  • في يوم 15 يناير عام 1873م، تزوجت من الأمير محمد توفيق قبل وصوله للعرش بست سنوات في قصر القبة، وكان عمرها 15 عامًا، في حفل زفاف كبير وفخم، وفي نفس اليوم والمكان أقيم حفل زفاف ثلاثة من أشقاء الأمير، وأطلقوا على هذا اليوم والحفل اسم (أفراح الأنجال)، وحضر هذا الحفل عدد كبير من الضيوف المصريين والعرب والأجانب، وتم عرض الشوار (الجهاز) الخاص بالعروس على عربات تجرها الخيول، وطاف أرجاء المحروسة لمدة عشرة أيام حتى يشاهده الناس، كما ذبحت الذبائح لإطعام الفقراء والمساكين، وعزفت الموسيقى في كل الشوارع والميادين، واستمرت تلك الاحتفالات الصاخبة لمدة شهر كامل، وكان يتم تقديم الطعام للعامة أربعة أيام في الأسبوع.
  • في عام 1879م، تولى الخديوي توفيق الحكم، فتولت أمينة هانم دورًا بارزًا في الحكم، أكثر من نساء العائلة الخديوية اللاتي سبقنها.
  • كانت تحرص على خدمة الفقراء والمحتاجين والمرضى، وتأسيس الجمعيات الخيرية في مصر، وتم إطلاق لقب أم المحسنين عليها، لكثرة أعمالها الخيرية.
  • قامت بإنشاء المدارس الإلهامية الابتدائية للبنات، والمدارس الإلهامية الثانوية للبنين، والمدارس الإلهامية الصناعية، والمدارس الإلهامية لتعليم الطراز الفرعوني والإسلامي في الأثاث، وتعليم الزخارف.
  • قامت بإرسال العديد من البعثات الدراسية للخارج على نفقتها الخاصة، حيث كان يخصص لها الخديوي إسماعيل مصروفًا ضخمًا سنويًا كمصروف شخصي لها، لكنها كانت تنفقه على المدارس المصرية.
نبذة مختصرة عن الوالدة باشا أم المحسنين
نبذة مختصرة عن الوالدة باشا أم المحسنين
  • ذكرتها الصحافة العربية بكل احترام وعرفتها باسم (حرم الخديوي)، وبعد وفاة الأم الكبرى في الأسرة الخديوية، أصبحت أمينة هانم هي الأم الكبرى في عام 1884م، وقد قامت بجميع مهامها كزوجة للخديوي توفيق، وكانت دائمًا بجانبه.
  • كانت تستقبل بانتظام زوجات وبنات الدبلوماسيين العرب والأجانب، والزائرين الأوروبيين، وتحضر المناسبات الرسمية مثل حفلات الأوبرا، حيث كانت تجلس هي ورفيقاتها خلف الستار.
  • بعد تدهور صحة الخديوي توفيق ووفاته في سن مبكرة عام 1892، ترملت وهي صغيرة في السن، وحزنت على وفاة الخديوي حزنًا شديدًا، ورفضت ارتداء مجوهراتها حدادًا عليه، وتفرغت لرعاية وتربية أبنائها، وتعليمهم الفنون والعلوم الإسلامية والموسيقى والآثار.
  • تولى ابنها عباس حلمي حكم مصر، وهو ما زال يكمل دراسته بالخارج، فأصبحت هي صاحبة لقب (الوالدة باشا)، واستمرت في القيام بدورها الدبلوماسي والإنساني على أكمل وجه.
  • كانت دائمًا توصي ولديها المقيمين بالخارج للدراسة في سويسرا ثم النمسا بالمحافظة على الصلوات.
  • كانت شديدة التدين، وحريصة على إقامة الصلوات الخمس، والشعائر الدينية، كما قامت بأداء فريضة الحج أكثر من مرة، وانعكس كل ذلك في تربيتها لأبنائها، وما حققوه من إنجازات في الحياة.
  • كانت شديدة الاهتمام بولدها الأكبر الخديوي عباس، الذي ورث الحكم خلفًا لوالده، في الثامنة عشرة من عمره، ثم تولى الحكم بعده أخوه الأصغر محمد توفيق، الذي تقلد ولاية العهد لعدة سنوات.

اقرأ أيضًا: ماذا قدم السلطان عبد الحميد الثاني للقدس وفلسطين؟

صفات الوالدة باشا:

كانت أمينة هانم معروفة بأنها متواضعة وبسيطة ونبيلة، فكانت تحصل على كل التقدير من السلطان العثماني عبد الحميد، فكانت عندما تزور تركيا يُرسل لها السلطان وفدًا خاصًا لاستقبالها، وقد أهداها في عام 1895م القصر الخشبي، الذي يعتبر من أجمل مباني مضيق البوسفور.

صفات الوالدة باشا
صفات الوالدة باشا

ولكنها قامت بهدمه، وبنت مكانه القصر الحالي بأسلوب الفن الحديث المعاصر، وقد تكلف تشييد هذا القصر حوالي 120 ألف ليرة تركية، يقع على ساحل بيبيك في مدينة إسطنبول ويعرف باسم قصر الوالدة باشا، وهو الاسم الذي كانت تعرف به بين أهل إسطنبول؛ لأنها كانت بالنسبة لهم شخصية محبوبة ومميزة، فقد كانت زوجة خديوي وأم خديوي، وهي المرأة الوحيدة التي سميت بهذا الاسم طوال عصر الدولة العثمانية، وقد أقامت الوالدة باشا بهذا القصر حتى خلع الإنجليز ابنها عن الحكم عام 1914م.

اقرأ أيضًا: ذكرى وفاة السلطان سليمان القانوني.. أعظم سلاطين الدولة العثمانية

أهم أعمال الوالدة باشا:

قامت الوالدة بعدة أعمال فضلًا عما تم ذكره سابقًا، وأهمها:

  • قامت ببناء القبة الضخمة الموجودة بصحراء المماليك التي تعرف بقبة أفندينا، واختارت لبنائها الطراز الإسلامي المملوكي، وأصبحت أضرحة لزوجها وأولادها.
  • حصلت على وسام الامتياز ووسام الشفقة.
  • أنجبت خمسة أبناء، وهم الأمير عباس حلمي الثاني في عام 1874م، والأمير محمد علي توفيق ولي العهد، والأميرة نازلي وقد توفيت في طفولتها، والأميرة فخر النساء خديجة التي تزوجت من عباس حليم باشا، والأميرة نعمة الله التي تزوجت من الأمير كمال الدين.
أهم أعمال الوالدة باشا
أهم أعمال الوالدة باشا

اقرأ أيضًا: سلاطين الدولة العثمانية.. رموز القوة والفتوحات عبر 6 قرون

وفاة الوالدة باشا:

في عام 1931م، توفيت الوالدة باشا في قصرها بتركيا، وقام ابنها الأمير محمد علي بإحضار جثمانها، وتم إعلان الحداد الملكي عليها لمدة 20 يومًا، حزن المصريون عليها حزنًا شديدًا، ونعتها مجلة المصور بصفحتها الأولى، التي كان عنوانها: “ماتت أم المحسنين، وغربت عن مصر أشعتها التي طالما كانت واسطة الحياة لكثير من الفقراء”، وتوسطت صورتها مع الخديوي توفيق صفحات الصحف والجرائد، كما نشرت مجلة العروسة صورتين نادرتين لها بعنوان: “فقيدة مصر العظيمة أم المحسنين”، وقد تم عرض جميع مقتنياتها للبيع بمصر، وأصبح قصرها في تركيا مقرًا للقنصلية المصرية هناك.

وختامًا عزيزي القارئ، تناولنا بعضًا من المحطات في حياة أم المحسنين صاحبة العصمة الوالدة باشا، سيدة التربية والتعليم الأولى في مصر، وصاحبة الأعمال الخيرية، وخادمة الفقراء والمساكين، الأميرة أمينة هانم إلهامي.

اقرأ أيضًا: السلطان السابع الملك الصالح نجم الدين أيوب

كتبت: سحر علي.