مع دقات أول يوم من شهر محرم، يبدأ العالم الإسلامي بإحياء ذكرى من أعظم الرحلات في التاريخ وهي الهجرة النبوية، فتنبض مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية بالحياة في كل بقعة من الأرض، حيث تتباين بين الحفلات الدينية والأطعمة التقليدية والأهازيج الشعبية، في مصر، تعلو الزينة والأغاني، بينما في تونس تحيى المناسبة بالأطباق الخاصة والعادات الفريدة، فكيف يحتفل المسلمون بهذا اليوم العظيم، وما هي العادات التي تضفي على كل بلد نكهته الخاصة؟

مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية وبداية الهجرة النبوية الشريفة:

“طلع البدر علينا، من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا، ما دعا لله داع”، بهذه الكلمات كان استقبال أهل يثرب (المدينة المنورة) بالرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما آتاهم مهاجرًا من مكة، بعد تعذيب وظلم كفار قريش للمسلمين، ليتم الاحتفال بتلك الذكرى المباركة في أول يوم من شهر محرم، حيث تسود أجواء الفرحة والبهجة في دول العالم الإسلامي، احتفالًا بهذا اليوم المبارك، وهذه أبرز مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في بعض الدول:

في مصر:

يعتبر الاحتفال برأس السنة الهجرية في مصر حدثًا هامًا في حياة المواطن المصري، فهو يوم إجازة رسمية يتبادل فيه الجميع التهاني والتبريكات لقدوم عام جديد، قد ارتبط في ذاكرتهم ووجدانهم بأوبريت الليلة الكبيرة والزينة المعلقة بالشوارع، وكان الفاطميون مشهورين بالاحتفال بتلك المناسبة، فقد كانوا يقيمون الخيام، ويتناولون اللحم والأرز، ويقرأون القرآن، ويحضرون حلقات الذكر والإنشاد، وأيضًا يحملون بخورًا ويطوفون به الأسواق والبيوت مرتدين أثواب بيضاء؛ خشية الحسد، ويسمون إناء البخور في ذلك الوقت (الميعة المباركة).

مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في مصر

مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في مصر

وكان المصريون يقومون بإخراج الصدقات خلال الأيام العشر الأولى من شهر محرم، والمعروفة (بزكاة العشر) وهي صدقات بمبالغ صغيرة، حيث كان يبلغ نصيب كل طفل منها حوالي 5 قطع فضية تكفيه ليشتري بها الحلوى، أو يحتفظ بها، كانت توجد طائفة يطلق عليهم (الدراويش)، يجتمعون حول مقامات المساجد في حلقات، مرتدين القاووق التركي مرددين الله الله، ويعتبرون من أشهر مناظر وتجليات هذا اليوم، وكان المصريون في هذا اليوم يقومون بإعداد ولائم شهية ودسمة وكبيرة، تحتوي على لحم الطيور والحمام والبط والفتة والكسكسي، ويحلون بأطباق عاشوراء الجميلة، لكن وللأسف اندثرت بعض من تلك المظاهر الرائعة في الوقت الحالي نتيجة ارتفاع الأسعار، ولم يبق منها إلا القليل، مثل شراء الحلوى للصغار من أجل إبهاجهم، وبعض حلقات الذكر في المساجد والأحياء الشعبية.

اقرأ أيضًا: تقاليد فريدة.. طقوس عيد الأضحى في الدول العربية

في تونس:

للاحتفال برأس السنة الهجرية عند الشعب التونسي والعائلات التونسية طابع خاص، حيث يقوم التونسيون بإحياء تلك المناسبة بطرق مختلفة، فهو يوم إجازة رسمية تتعطل فيه جميع الأنشطة بالإدارات وبقية المجالات، ويتجمع القرويون والقرويات لذبح الخراف، وإعداد الولائم من الكسكسي بالقديد، أو العصيدة الحارة بالبيض، وطبق الملوخية، بينما يتجمع الأطفال حول نار الموقد لشواء البيض وسماع صوت فرقعته، وتقوم الجدات والنساء المسنات باستعمال الحنة والتبرك بها بوضعها على شعورهن وأيديهن.

مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في تونس

مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في تونس

وتحتفل كل المدن التونسية هكذا إلا مدينة نابل بالوجه القبلي، حيث يتم الاحتفال بهذه المناسبة بتقديم أطباق من الكسكسي والعصبان المجفف المزين بالبيض المسلوق، وعرائس من الحلوى للأطفال، كما يحرص التونسيون أيضًا على تبادل الزيارات للحفاظ على صلة الرحم والتقارب العائلي.

في الجزائر:

يحتفل الجزائريون برأس السنة الهجرية عن طريق إعداد أشهى المأكولات المعروفة لديهم كالكسكسي والرشتة والشخشوخة، وهي أنواع من العجائن أو المخبوزات، وتعتبر عادة الدراس من العادات المميزة لديهم والخاصة بالاحتفال، حيث يتم وضع طفل صغير بصحن كبير وغمره من طرف كبير العائلة بالحلويات المختلفة، ويقوم الرجال والشيوخ بذكر السيرة النبوية العطرة، وتلاوة القرآن، وتقديم الصدقات.

في سوريا:

تحرص العائلات السورية خاصة في مدينة حلب على تناول الحلوى، إضافة إلى عمل بعض الأطعمة والسمبوسك، وتوزيعها على الجيران والأهل والفقراء، من أجل الثواب والأجر، وطلب الرحمة للأموات، والاحتفال بهجرة الرسول بالذكر والقرآن ومدح الرسول عليه الصلاة والسلام.

مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في سوريا

مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية في سوريا

في مكة المكرمة:

يعتمد أهل مكة في الاحتفال برأس السنة الهجرية على تلاوة القرآن، وإقامة الصلوات وتبادل التبريكات والتهاني بالعام الهجري الجديد، ويأخذ العيد طابعًا من الفرحة، كما يحرص أهل مكة على تناول الملوخية كنوع من التفاؤل بحلول سنة جديدة، وتناول الحليب بالهيل المشهور عندهم بالفرحة والبركة.

وختامًا، بين الزينة والولائم التقليدية والروحانية العميقة، يتجلى تنوع مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية، مما يثير الفضول حول كيف يحتفظ كل بلد بلمساته الفريدة ويجددها مع كل عام هجري جديد؟

اقرأ أيضًا: تعرف على مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في 9 دول عربية وإسلامية

كتبت: سحر علي.