بينما يسقط الليل وتغلف الظلمة كل شيء، يتسلل شعور غير مريح إلى عمق النوم، حيث يشعر البعض وكأنهم محاصرون في حالة من الشلل المؤقت، عالقين بين اليقظة والحلم، هذا الإحساس الغامض هو ما يُعرف باسم الجاثوم أو شلل النوم، الذي يبقى موضوعًا يستثير الفضول والخوف على حد سواء.

فبينما يلتف الغموض حول هذه الظاهرة، يقف العلم في محاولة لفك رموزها، وأيضًا تضاف إليها قصص الرعب التي أضفى عليها الخيال طابعًا أسطوريًا، في هذه الرحلة الاستكشافية، سنرى شلل النوم بعيون جديدة، باحثين عن حقيقته العلمية وتفسيراته النفسية، لنكتشف ما وراء هذا الشعور المربك الذي يعكر سكينة الليل.

ما الجاثوم؟

الجاثوم حالة من الشلل المؤقت تحدث أثناء الانتقال بين مراحل النوم واليقظة، حيث يكون الشخص واعيًا ولكن غير قادر على الحركة أو الكلام، تتسم هذه الحالة بشعور مؤلم ومربك، حيث يعاني الفرد من عجز مؤقت في الحركة مع إدراك كامل للواقع المحيط، قد ترافق هذه الحالة تجارب سمعية أو بصرية غير طبيعية، مثل سماع أصوات غير موجودة أو رؤية أشياء غير حقيقية.

ما الجاثوم؟

ما الجاثوم؟

اقرأ أيضًا: اضطرابات النوم النفسية.. تأثيرها على صحتنا وكيف نتغلب عليها؟

الأسباب والعوامل المساهمة في حدوث الجاثوم:

تتعدد الأسباب والعوامل التي تسهم في حدوثه، وتختلف من شخص لآخر، ومنها:

  • التعرض لضغوط نفسية: التوتر العاطفي والقلق والضغوط اليومية، تؤثر على جودة النوم وتزيد من احتمالية الإصابة بهذه الحالة.
  • تغيرات في نمط النوم: اضطرابات النوم مثل: الأرق، أو النوم غير المنتظم، تسهم في حدوث هذه الحالة.
  • الاستيقاظ المفاجئ: خاصة إذا كان الشخص في مرحلة حركة العين السريعة (REM) من النوم، في هذه المرحلة يكون الدماغ نشطًا جدًا، لكن العضلات تكون في حالة شلل لحماية الجسم من تنفيذ الأحلام.

التفسير العلمي للجاثوم:

من منظور علمي، يعتبر شلل النوم نتيجة لتداخل غير طبيعي بين مراحل النوم واليقظة، النوم يتكون من مراحل متعددة، بما في ذلك مرحلة حركة العين السريعة (REM) ومرحلة النوم العميق (NREM)، وخلال مرحلة REM يكون الدماغ نشطًا، لكن العضلات تكون في حالة شلل لحماية الجسم من تنفيذ الأحلام، فعندما يحدث الجاثوم يتوقف هذا الشلل العضلي عن العمل بشكل مؤقت، مما يتسبب في شعور الشخص بالشلل وهو واعٍ تمامًا.

التفسير العلمي للجاثوم

التفسير العلمي للجاثوم

التجربة الذاتية للجاثوم:

تتفاوت تجربة شلل النوم من شخص لآخر، حيث إن بعض الأشخاص يصفونها بأنها تجربة مرعبة؛ لأنهم يشعرون بوجود قوة غير مرئية تضغط عليهم أو تحبسهم، قد يترافق هذا الشعور مع ضيق في التنفس أو سرعة في ضربات القلب، على الجانب الآخر يصفه بعض الأشخاص على أنه مجرد تجربة مزعجة دون أية مشاعر خوف حقيقية.

طرق التعامل مع الجاثوم:

رغم أنه لا يشكل تهديدًا صحيًا دائمًا، إلا أنه يمكن أن يكون مزعجًا، لذلك إذا كنت ممن يتعرضون لهذه الحالة عليك اتباع النصائح التالية:

  1. تحسين جودة النوم: من خلال اتباع نظام نوم منتظم، وتجنب المنبهات والأكلات غير الصحية قبل النوم.
  2. التعامل مع الضغوط النفسية: الاسترخاء وتمارين التنفس، والتفكير الإيجابي، يساهمون في تقليل التوتر والقلق.
  3. استشارة طبيب مختص: إذا كانت تجربة شلل النوم متكررة أو تؤثر بشكل كبير على نوعية الحياة، من الضروري استشارة طبيب مختص في اضطرابات النوم لتقديم المشورة والعلاج المناسب.

هل الجاثوم جن؟

يدعي البعض أن الجاثوم جن يسيطر على الشخص النائم نومًا عميقًا، وينصحون من يمر بهذه الحالة بقراءة بعض آيات القرآن الكريم، في حين أننا نجد هذا التفسير بعيد كل البعد عن الدين، ويمكن الاستشهاد بفتوى للشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-، الذي أوضح في أحد دروسه أن الأمور التي يمكن تفسيرها علميًا لا يُفضل تحويلها إلى مسائل دينية تتعلق بالجن أو غيره دون دليل شرعي واضح، وأشار إلى أنه يجب عدم الخلط بين الظواهر الطبية والشرعية، وأنه من الأفضل توجيه الناس نحو العلاج الطبي بدلًا من نسبة كل ظاهرة إلى الجن أو قوى خارقة، بالتالي من المهم أن يتم التعامل مع الجاثوم من منظور طبي وعلمي، واستشارة الأطباء المتخصصين لفهم الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة.

هل الجاثوم جن؟

هل الجاثوم جن؟

يظل الجاثوم ظاهرة معقدة وغامضة، تعكس أحد أعمق أسرار النوم البشري، رغم التقدم العلمي في فهم أسباب هذه الحالة، ما زالت هناك جوانب غامضة تحتاج إلى استكشاف أعمق، إذا كنت قد عشت تجربة الجاثوم، فاعلم أنك لست وحدك في هذا الكابوس المؤقت، فالكثيرون غيرك قد مروا بنفس التجربة، ومع ذلك تبقى هذه الظاهرة تذكيرًا بعظمة قدرة الخالق في تعقيد الجسم البشري وعقله، وتحثنا على مواصلة البحث وفهم المزيد عن أسرار النوم والنوم العميق.

من خلال هذه الرحلة عبر عالم الجاثوم، نكون قد اقتربنا خطوة أخرى من فك لغز هذه الظاهرة الغامضة، وفتحنا الباب أمام المزيد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، وبينما نستمر في البحث، يمكننا أن نجد الراحة في معرفتنا أن العلم ما زال يسعى للكشف عن الألغاز التي تثير اهتمامنا وتدفعنا للتفكير بشكل أعمق في طبيعة تجربتنا البشرية.

اقرأ أيضًا: اكتشف 5 طرق فعالة لتهدئة العقل قبل النوم

كتبت: نهلة سمير.