لا شك أن حلم الحصول على ثروة مفاجئة يراود الجميع، وغالبًا ما يتمنى الكثير منا سماع عبارة “توفي أحد أقاربك في إيطاليا وترك لك ثروة ضخمة من العقارات والفنادق تساوي الملايين”، وهو ما يرتبط بمتلازمة الميتومونيا، وهي حالة نفسية شائعة يعاني منها 80% من الناس، وبعدها يبدأ الشخص في التفكير في كيفية إنفاق تلك الأموال، وما الذي سيشتريه، ومن سيكرم من تلك الثروة ومن سيحرم منها، لكن عزيزي إذا كنت من هؤلاء الحالمين، فقد تجد نفسك غارقًا في تخيلات حول اكتشاف ثروة كبيرة في يوم ما، مثل كنز مدفون أو حقيبة مليئة بالنقود.
متلازمة الميتومونيا:
أكد أحد الخبراء أن أسباب متلازمة الميتومونيا تتعلق بالحالة النفسية للفرد وصعوبة تكيفه مع الواقع، مما يدفعه إلى الهروب إلى الخيال لتعويض حياته الحالية، وأوضح أن لكل مرحلة من مراحل النمو احتياجات ومتطلبات، فإذا تم تلبية هذه الاحتياجات فإنها ستشبع، أما إذا لم تشبع فستظل قائمة حتى يتم تلبيتها، وعندما لا نستطيع تحقيقها في الواقع نلجأ إلى الخيال كوسيلة للتعويض.
وفقًا لذلك يمكن أن تعود الأسباب إلى ضغوط اقتصادية مثل: الفقر، أو أسباب نفسية، أو اجتماعية، وهذه المتلازمة مشابهة لأحلام اليقظة التي يعيشها المراهقون، حيث إنهم عندما يواجهون صعوبة في التكيف مع الواقع يهربون إلى أحلام اليقظة لتلبية احتياجاتهم الدفينة سواء كانت شعورية أو لا شعورية، ويشار إلى أن هذه الظاهرة أكثر شيوعًا في المجتمعات التي تعاني من القهر والمعاناة والفقر، التي تشهد تفاوتًا طبقيًا كبيرًا وقلة في فرص العمل وزيادة في الجشع.
اقرأ أيضًا: متلازمة ستوكهولم.. خيال درامي أم ظاهرة نفسية
تشخيص متلازمة الميتومونيا وأعراضها:
يرتكز تشخيص متلازمة الميتومونيا لدى المصابين بها بشكل عام على فكرة رئيسية أو وهم مشترك، يتمثل في اعتقادهم بأن مبلغًا كبيرًا من المال سيدخل حياتهم ويغيرها بالكامل دون أية دلائل سابقة ودون الحاجة إلى بذل أي جهد، سواء في العمل أو التجارة، أو لأي سبب آخر، تستند عملية التخيل هذه إلى أوهام معقدة تجعل الشخص يعتقد أن حقيبة المال ستطرق باب غرفة نومه، وكل ما عليه فعله هو الاستمتاع بحياته الجديدة بعد وصولها، أي أن الأمر لن يرتبط بسرقة الشخص للمال من أحد، أو حتى بحثه عن المال في مكان يحتمل بشكل ضعيف أن يجد فيه المال، وليست بالطبع مرتبطة بتعب الشخص، بل هي مجرد خيالات متداخلة.
قد يظن الشخص المصاب بالميتومونيا أن المال سيفاجئه من خلال ورقة يانصيب كان قد سحبها ونسيها، ثم يتلقى إعلانًا بضرورة حضوره لاستلام أمواله، ليتمكن من صرفها والاستمتاع بحياة الرفاهية والترف، وتلعب المسابقات التلفزيونية دورًا في تأثيرات مرض الميتومونيا، ومؤخرًا نلاحظ أن المسابقات التلفزيونية والإعلامية لا تعدو كونها وسيلة للإعلان عن مرض الميتومونيا بهدف جذب الملايين، وتطرح هذه المسابقات طرقًا لتحقيق الثراء السريع، مما يدفع الناس للشعور برغبة في كسب المال دون الحاجة إلى الجهد والركود وراء ذلك.
هناك جانب آخر للإصابة بهذه المتلازمة يتمثل في تخيل بعض الأشخاص أن البحر أو السماء ستهب لهم ثروة موعودة، فتجد أحد المصابين ينتظر أن يلقي له البحر كيسًا مليئًا بالأموال أو الأشياء الثمينة مثل: الياقوت، والمرجان، واللؤلؤ، القادمة من الجهة الأخرى، يمكن أن تراه يطيل النظر إلى السماء في انتظار أن تجلب السحب ثروة كبيرة على شكل أمطار غزيرة أو عواصف عنيفة، أو حتى هبوط طائرة محملة بأموال طائلة، والأكثر غرابة هو أن هذه التخيلات تصيب الكثيرين بفكرة أن بعض الكائنات الفضائية قد تهبط إلى الأرض لتسليمه ثروة مرسلة من عالم آخر.
اقرأ أيضًا: الحزن الذي يكسر القلوب.. أبرز أعراض متلازمة القلب المنكسر
هل متلازمة الميتومونيا اضطراب نفسي؟
في الاضطرابات النفسية لا يدرك الفرد أنه يعاني من مشكلة ما، بينما تظهر تصرفاته وسلوكياته اليومية التأثير على من حوله، أما بالنسبة لحالة الميتومونيا فلا يمكن اعتبار الشخص مضطربًا، فهي ليست مرضًا نفسيًا بالمعنى البسيط والعادي؛ لأنه يمكن تشبيه الشخص بالجائع الذي يعتقد أنه يملك وليمة كبيرة مما يعكس حاجته للطعام، أو قد تكون تلك الحاجات ذات طابع جنسي أو مادي فيبدأ باللجوء إلى الخيال لتعويضها، وهذا أمر طبيعي جدًا في حد ذاته حيث يعتبر وسيلة للتكيف مع الواقع.
لكن عندما تبتعد هذه الحالة بالشخص عن الواقع وتجعل خياله يعيش فيه يصبح الأمر مرضيًا ويحتاج إلى علاج، والجدير بالذكر أنه من نتائج هذه الحالة انفصال الشخص عن الواقع، حيث يعيش في عالم من الأوهام حتى يصل إلى مرحلة يصدق فيها ما يتخيله ويصبح له واقعًا ويتحول الوهم إلى حقيقة، وأشارت دراسات نفسية إلى أن نسبة كبيرة من الناس يعانون مما يعرف بالميتومونيا، إلا أن الخبير الخليل يرى أن هذه النسبة أعلى بكثير، ويرجع ذلك إلى التأثير الكبير الذي تتركه الأعمال الدرامية والأفلام، خاصة الشخصيات البطولية الخارقة على الشباب، فالعديد منهم يحاولون محاكاة هذه الشخصيات في الواقع، معتقدين أنهم يستطيعون تحقيق نفس الإنجازات.
اقرأ أيضًا: “سيبني يا حبيبي خلص” صرخات من متلازمة داون.. ماذا تعرف عنها؟
هل يوجد علاج متلازمة الميتومونيا؟
على الرغم من اعتقاد البعض بأن متلازمة الميتومونيا لا يوجد لها علاج، إلا أن الحقيقة تختلف، فهناك بالفعل علاجات فعالة لهذه المتلازمة، وأحد العلاجات المقترحة لهذه المتلازمة هو ربط الشخص المصاب بالواقع المحيط به، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقنيات مثل: تمارين الاسترخاء، والتنفس العميق، أو ما يعرف بتقنية التأريض.
هذه التقنية تشجع الشخص على التركيز على حواسه الخمس، كأن يرى الأشياء من حوله، ويستمع للأصوات، ويلمس الأشياء، ويشم الروائح، ويتذوق الأطعمة، الهدف الأساسي هو سحب الشخص من عالم الخيال إلى الواقع.
في النهاية يمكن القول إن متلازمة الميتومونيا تعكس رغبة إنسانية عميقة في تحسين الحياة والهروب من الصعوبات اليومية، إنها بمثابة آلية دفاعية يتبعها العقل الباطن للتعامل مع الضغوط والتحديات التي تواجهنا، لكن كما رأينا فإن الإفراط في الانغماس في هذا العالم الخيالي قد يؤدي إلى عواقب سلبية، حيث يبتعد الفرد عن الواقع ويواجه صعوبة في تحقيق أهدافه الحقيقية.
اقرأ أيضًا: رحلة الانتظار.. كيف ينعكس تأثير متلازمة الحياة المؤجلة على حياتنا؟
كتبت: هناء مسعود.