هل تخيلت يومًا أن تشترك مع شخص آخر في جسد واحد؟ تبدو الفكرة أشبه بخيال علمي، لكنها حقيقة نادرة تعرف بالتوائم السيامية، هذه الظاهرة المحيرة أثارت تساؤلات العلماء عبر العصور: كيف تحدث؟ ولماذا؟ وبين محاولات الفهم والحلول الطبية المعقدة، يبقى السؤال الأكبر: كيف يعيش هؤلاء التوائم حياتهم اليومية؟ في هذا المقال، سنأخذك في رحلة لاستكشاف هذه الظاهرة العجيبة من جوانبها العلمية، التاريخية، والإنسانية.
ماذا تعرف عن التوائم السيامية؟
التوائم السيامية أو التوائم الملتصقة، هي ظاهرة نادرة تحدث عندما يرتبط جسدا توأم متماثل داخل الرحم، وهي حالة تحدث من 1 لكل49000 ولادة إلى 1 لكل 189000 ولادة، وتزداد نسبة حدوثها في جنوب شرق آسيا وإفريقيا والبرازيل، ويموت حوالي نصف التوائم في الرحم قبل الولادة، بينما يولد الجزء الآخر منهم مع تشوهات تُصعب عليهم الحياة، والإناث توجد بنسبة أكثر من الذكور، ولا يحدث الالتصاق لأكثر من جسدين، ويكون التوأمان الملتصقان دائمًا متشابهين أو متماثلين، ولهما نفس الجنس إما ذكرين أو أنثيين.
اقرأ أيضًا: رحلة داخل المادة الوراثية DNA.. أسرار لا تعرفها عن جسدك
تفسير حدوث ظاهرة التوائم السيامية أو الملتصقة:
هناك نظريتان متناقضتان لتفسير هذه الظاهرة، وهما:
-
النظرية القديمة:
هي ظاهرة الانشطار، التي تقول بأن البويضة المخصبة تنقسم انقسامًا جزئيًا، وينتج عنها جزيئان متماثلان.
-
النظرية الثانية والأكثر قبولًا:
ظاهرة الاندماج، التي تقول بأن البويضة المخصبة تنقسم انقسامًا كاملًا، وأن الخلايا الجذعية التي تبحث عن خلايا مماثلة على التوأم الآخر، تجد خلايا مثلها؛ فيندمج التوأمان معًا، وتشترك التوائم الملتصقة في المَشيماء والمَشيمَة والكيس الجنيني أو كيس الحمل.
سبب تسمية التوائم السيامية:
سبب تسمية التوائم السيامية بهذا الاسم يعود إلى الأخوين التايلانديين (تشانج وإنج بنكر) المولودين في عام 1811م بسيام أو تايلاند حاليًا، وهما أشهر زوج من التوائم الملتصقة، وكانا يعملان في سيرك يسمى (فينس تايلور بارنوم) لسنوات عديدة، وسافرا إلى عدة دول وعرفوا بالتوائم السيامية، وقد كانا تشانج وإنج متصلين في منطقة الجذع بالعظام والكبد، وفي ذلك الوقت كانت إمكانية فصلهما مستحيلة، بعكس الآن فإنه يسهل فصلهما، وبسبب شهرة هذين الأخوين وندرة حالتهم، أصبح مصطلح التوائم السيامية يستخدم كتعريف للتوائم الملتصقة.
تشخيص التوائم الملتصقة أثناء الحمل:
يسهل التعرف أو تشخيص التوائم الملتصقة أثناء الحمل، حيث يكون التوأمان في كيس جنيني واحد، ويمكن أيضًا رؤية أماكن الالتصاق بوضوح من خلال الفحص بالموجات فوق الصوتية؛ لذلك يجب التأكد عند وجود توأم من أن كلًا منهما موجود في كيس جنيني منفصل، أما في حالة وجود جنينين أو أكثر داخل كيس واحد دون وجود غشاء فاصل واضح بينهم، فيجب هنا التأكد من عدم وجود التصاق بين التوأمين، وعادة ما ينتهي الحمل بالتوائم الملتصقة بوفاة أحد التوأمين أو كليهما داخل الرحم، أما في الحالات النادرة التي يعيش فيها التوأمان السياميان أو الملتصقان داخل الرحم فإن عملية الولادة يتم إجراؤها بواسطة العملية القيصرية، والعناية بالتوأمين لمعرفة أمكانية إجراء عملية لفصل التوأمين.
عمليات فصل التوائم الملتصقة:
تتفاوت عمليات فصل التوائم السيامية أو الملتصقة ما بين السهل جدًا إلى الصعب جدًا، وذلك يعتمد على عدة عوامل مثل مكان التصاق التوأم، والأعضاء الحيوية التي يشتركان فيها، ولهذا فإن معظم عمليات فصل التوائم تكون محفوفة بالمخاطر ومهددة للحياة، حيث عادة ما تتطلب هذه العمليات التضحية بأحد التوائم من أجل حياة الآخر، خاصة في حالة التصاق الرأس أو اشتراكهم في أعضاء حيوية هامة.
وتعتبر مستشفى الأطفال في فيلادلفيا من أشهر المستشفيات وأكثرها كفاءة في عمليات فصل التوأم، حيث أجريت فيه أكثر من 18عملية ناجحة، وعلى الصعيد العربي فإن المملكة العربية السعودية من أكثر الدول التي يتم فيها عمليات فصل التوائم الملتصقة، حيث يعتبر مستشفى الملك فهد للحرس الوطني من أكثر وأشهر المستشفيات المعروفة عربيًا وعالميًا بالخبرة الكبيرة في هذا المجال، وأيضًا مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.
هل التوائم الملتصقة ظاهرة قديمة؟
في نبذة تاريخية عن التوائم الملتصقة، فقد ثبت أن لها أصولًا تاريخية قديمة، حيث صورت ثقافة الموشي بيرو القديمة التوائم الملتصقة في أعمالهم التي تعود إلى عام 300 ق.م، حيث ترجع أقدم حالة توائم ملتصقة موثقة إلى عام 942 عندما ولد توأم ملتصق في أرمينيا، وحضرا إلى القسطنطينية للتقييم الطبي، وبعد ذلك في إنجلترا ولدت التوأمتان ماري واليزا الإنجليزيتان، وكانتا ملتصقتين من الحوض وعاشتا من عام 1100 إلى عام 1134.
وعلى المستوى العربي ولد التوأم هاشم بن عبد المناف وعبد الشمس في الجزيرة العربية، وكانت رجل هاشم ملتصقة برأس أخيه، وتحكي الأساطير أن والدهما عبد المناف قام بفصل التوأم بسيفه، ويقول الكهنة أن الدماء التي تدفقت منهما هي السبب في وقوع حروب بين ذريتهم، حيث اندلعت مواجهات بين بني العباس وبني أمية بن عبد الشمس في عام 750 هجري، وقد وصفها العالم المسلم أبو الريحان البيروني في أحد مؤلفاته.
في الختام، تُعتبر التوائم السيامية واحدة من الظواهر الطبية النادرة التي تحمل في طياتها تحديات كبيرة للأطباء والأسر على حد سواء، ورغم التقدم الطبي الهائل في فصل التوائم الملتصقة، فإن هذه الحالات ما زالت تجسد تعقيد الخلق وأسراره، تظل هذه التوائم شاهدًا حيًا على قدرة العلم والإنسان على التعامل مع أصعب التحديات بروح الأمل والإصرار.
اقرأ أيضًا: عقار GHB.. سلاح خفي يهدد بقوة
كتبت: سحر علي.