تعتبر العملة من العوامل الأساسية التي تسهم في استقرار أي اقتصاد، وقد شهدت مصر عبر تاريخها الطويل تطورات كبيرة في نظامها النقدي، من العملات التي كانت تُستخدم في العصور الفرعونية إلى الجنيه المصري الحديث، يمكن تتبع تاريخ تطور العملة في مصر ليتضح كيف انعكست التحولات الاقتصادية والسياسية على نظام النقد في البلاد، فما هي محطات تطور العملة المصرية منذ العصور القديمة حتى العصر الحديث؟
تاريخ تطور العملة في مصر:
العملة في مصر الفرعونية:
يعود تاريخ النقود في مصر إلى العصر الفرعوني، حيث لم تكن هناك عملات معدنية بالطريقة التي نعرفها اليوم، ولكن كان النظام الاقتصادي يعتمد على التمويل بالقيمة المادية كالحبوب والذهب، استخدم الفراعنة الوزن كأداة لتحديد القيمة، وكان يتم تبادل السلع والخدمات من خلال المقايضة.
وفي بعض الأحيان استخدم المصريون القدماء الذهب والفضة كوسيلة للتبادل، ومن الأمثلة على ذلك الحلى والقطع الذهبية التي كانت تُستخدم كرمز للقيمة في التجارة، وكانت هناك إشارات لوحدة نقدية تعرف بـ (النوب نفر) ظهرت خلال فترة المملكة القديمة (حوالي 3000 قبل الميلاد)، وكانت تستخدم في المعاملات التجارية والضرائب.
اقرأ أيضًا: رحلة في تاريخ الحضارة المصرية القديمة وبناء حضارتها العظيمة
العملة في العصر البطلمي:
مع وصول الإغريق إلى مصر بعد الحملة التي قادها الإسكندر الأكبر في عام 332 قبل الميلاد، بدأ عصر جديد من استخدام العملة، في هذه الفترة بدأ الحكام البطالمة في سك النقود المعدنية، وكانت العملات الفضية والذهبية تُستخدم في المعاملات التجارية اليومية، ظهرت العملات الفضية على شكل دراخما والعملات الذهبية في صورة الآري، وكانت هذه العملات تحمل صور الحكام البطالمة وتُستخدم في المعاملات التجارية في مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسط، مما جعل مصر مركزًا تجاريًا هامًا في العالم القديم.
أما في الفترة الرومانية (30 قبل الميلاد -641 ميلادي)، فظهرت (التمغة) كعملة رئيسية، وهي عملة نحاسية استخدمت في المعاملات اليومية.
العملة في العصور الإسلامية:
بعد الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي، بدأ استخدام العملات الإسلامية في مصر، وكانت البداية مع الدينار الذهبي والدرهم الفضي اللذين كانا يُستخدمان في المعاملات اليومية، وقد شهدت مصر خلال هذه الفترة تحولًا في الشكل والمحتوى الثقافي للعملات، حيث كانت العملات تحمل اسم الخليفة الإسلامي وصورته، إلى جانب النصوص التي تشير إلى الحقبة الزمنية.
تطور نظام العملات في مصر خلال العصور الإسلامية مع ظهور العملات الفاطمية والعملات المملوكية، التي كانت تميزها النقوش الإسلامية مثل: الشهادتين، وأسماء الحكام.
العملة في العصر العثماني:
مع دخول مصر في ظل الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، استمرت العملات العثمانية في التداول في مصر لفترة طويلة، كانت (الآقجة) و(القرش العثماني) من أشهر العملات التي استخدمها المصريون في هذه الحقبة، وقد كان للسلطان العثماني دور رئيسي في سك هذه العملات التي كانت تتميز بنقوش سلطانية وآيات قرآنية.
اقرأ أيضًا: سلاطين الدولة العثمانية.. رموز القوة والفتوحات عبر 6 قرون
العملة في فترة الاحتلال البريطاني:
في عام 1885 ومع بسط الاحتلال البريطاني سيطرته على مصر، شهدت البلاد تحولًا مهمًا في نظامها النقدي، في هذه الفترة تم تقديم الجنيه المصري كعملة رسمية، وكان الجنيه يساوي 20 شلنًا أو 100 قرشًا، أيضًا كان الجنيه المصري في البداية مغطى بالذهب، مما عزز من استقراره وقيمته، عندما تم تأسيس البنك الأهلي المصري في عام 1898، أصبح هذا البنك هو المسئول عن إصدار الأوراق النقدية في مصر، وقد أدت هذه الخطوة إلى بداية عهد جديد من النقود الورقية التي تحل محل العملات المعدنية.
العملة في فترة ما بعد الاستقلال:
بعد استقلال مصر في عام 1952، شهدت البلاد تغييرات اقتصادية وسياسية كبيرة، وكان للجنيه المصري دور رئيسي في هذه التحولات، خلال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر تم تأميم البنوك وتحديد سعر صرف الجنيه بشكل مركزي، مما أثر على قيمة الجنيه المصري.
في الستينات، بدأ البنك المركزي المصري في سك العملات المعدنية وتوزيع الأوراق النقدية بواجهات جديدة تعكس الهوية الوطنية، حيث تم إضافة صور من المعالم المصرية الشهيرة مثل: أهرامات الجيزة، وقناة السويس على الأوراق النقدية.
العملة في العصر الحديث (ما بعد 2000):
مع بداية القرن الحادي والعشرين شهد الجنيه المصري سلسلة من التقلبات في قيمته بسبب التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها البلاد، شهدت مصر في عام 2003 تحرير سعر صرف الجنيه، مما أدى إلى انخفاضه بشكل ملحوظ مقابل العملات الأجنبية، ومع ذلك ما زال الجنيه المصري يحتفظ بمكانته كعملة وطنية لها دور كبير في الاقتصاد المحلي.
وفي السنوات الأخيرة، قام البنك المركزي المصري بإجراء العديد من الإصلاحات النقدية، بما في ذلك إصدار العملات البلاستيكية، مثل الجنيه الورقي الجديد في 2016، الذي تم تصميمه ليكون أكثر أمانًا وأكثر قدرة على تحمل التآكل، كما أُطلقت سلسلة جديدة من الأوراق النقدية في عام 2023، التي تضمنت تصميمات مبتكرة، وتدابير أمنية حديثة، إلى جانب الحفاظ على الصور الرمزية التي تمثل تاريخ وثقافة مصر.
اقرأ أيضًا: خالد بن الوليد.. القائد الذي حطم الأساطير وصنع التاريخ
التحولات المستقبلية في العملة المصرية:
تعد مصر حاليًا من الدول التي تواكب العصر العباسي التطورات التكنولوجية في النظام النقدي، حيث تتجه الحكومة إلى تعزيز استخدام المدفوعات الإلكترونية والعملات الرقمية، وفي السنوات الأخيرة بدأت مصر في استكشاف إمكانية إصدار العملة الرقمية للبنك المركزي، مما يمثل خطوة كبيرة نحو التحول الرقمي في القطاع المالي.
تاريخ تطور العملة في مصر يُظهر تحولًا هائلًا، بدءًا من التمويل بالقيمة في العصور القديمة إلى الجنيه المصري الحديث، وقد تأثرت العملة المصرية بالعديد من الأحداث السياسية والاقتصادية، مما يعكس العلاقة العميقة بين الاقتصاد المصري ونظامه النقدي، سواء كان ذلك في شكل الدراهم الفاطمية أو الجنيه المصري، فإن العملة المصرية تعتبر جزءًا أساسيًا من الهوية الاقتصادية والثقافية للبلاد، ومرآة لتاريخها الطويل والمتنوع.
اقرأ أيضًا: 979 عاما على ميلاد أحمد بن طولون.. مؤسس الدولة الطولونية
كتبت: نهلة سمير.