الشعر فرع اللغة العربية المسئول عن التعبير عن العاطفة بكل أنواعها، وشعر العامية أو كما يطلق عليه أحيانًا الشعر الشعبي هو نوع من الشعر منسوب إلى العامية وهي المفردات التي يتكلم بها عامة الناس في حياتهم اليومية، أو يمكن القول أنه كل شعر منظوم بلهجة غير اللغة العربية الفصحى، والشعر العامي هو الذي يتحدث بلهجة أو بلغة أهل البلد الدارجة والمتميزة، التي عندما ينطق بها شخص يعرف أنه من أهل هذه البلد، فهناك مثلًا شعر العامية لأهل الجزيرة العربية، ولأهل مصر، ولأهل المغرب العربي، وهكذا.
الفرق بين شعر العامية وما يشبهه من أنواع الشعر الأخرى:
عندما نتحدث عن شعر العامية يجب التفرقة بين ثلاثة أنواع من الشعر تستخدم العامية أيضًا في نظمها، وهي كالتالي:
الشعر الشعبي:
يتميز الشعر الشعبي بخصائص تتعلق بالموضوع والشكل الفني، وطقوس الأداء، والتأليف المشترك.
الزجل:
يتميز الزجل بمعالجة موضوعاته بصفة مباشرة ومقصودة، التي تتعلق عادة بالنقد الاجتماعي، حيث يعتمد على عنصرين أساسيين من عناصر الشعر هما: الوزن، والقافية.
الشعر العامي:
يتميز الشعر العامي باكتمال العناصر الشعرية، فنجد فيه الوزن والقافية، إلى جانب الصور والحالات الشعرية، والإيقاع، والتشكيلات الجمالية، ووجهات النظر الفكرية، وهذه العناصر مجتمعة تنتج قصيدة ثابتة وواثقة لها خلفية ثقافية وتراثية وتاريخية أيضًا.
اقرأ أيضًا: أجراس التاريخ تقرع.. مناظرة شعرية بين كبار الشعراء العرب
شعر العامية في قفص الاتهام:
تم اتهام شعر العامية وأصحابه بأنهم ضد القومية العربية؛ لأن كتاباتهم باللهجات المحلية، ولكن أوضح كُتاب وشعراء العامية في ذلك الوقت دوافعهم الفكرية والسياسية الكامنة خلف الكتابة بالعامية، فمثلًا في مصر في بداية الستينيات كان أبرزها الانحياز للطبقات الشعبية البسيطة، والتمهيد لنشر القومية العربية بالقصيدة والأغنية، التي يفهمها كل من العامل والفلاح، وبهذا يكون الدافع وراء اختيار العامية عند هؤلاء الشعراء دافعًا قوميًا، وليس دافعًا مضادًا للقومية.
ولقد أدرك الأديب الكبير العقاد هذا مبكرًا، حين قال عن بيرم التونسي: “إن اللهجة العامية التي اعتمدها بيرم في الكتابة لا تتنافى أبدًا مع العروبة والثقافة العربية؛ لأن بيرم لم يكتب بالعامية ليعبر عن شيء إقليمي ومحدود، بل ليعبر عن الروح العربية كلها بلهجة معروفة من اللهجات التي يتحدث بها الناس في حياتهم اليومية”.
شعر العامية إبداع وليس سوقية:
يجب علينا معرفة أن اختيار العامية لغة للتعبير عن الشعر، هو نوع من الإبداع الشعري، ولا علاقة له مطلقًا بالسوقية والتدني الفني كما كان يعتقد البعض، بل إن العامية في إطارها الشعري اكتست ثوبًا جديدًا أبهى من أثواب الفصحى، خاصة عندما يكون الشاعر العامي ذا موهبة أكثر من الشاعر الفصيح، بالإضافة إلى أن الأفكار المطروحة في شعر العامية في كثير من الأحيان أكثر عمقًا وفلسفة مما يمكن أن نكون عليه في الفصحى.
بداية ظهور شعر العامية وأهم رواده:
تعود بداية شعر العامية إلى الأندلس، حيث كان يطوف الشعراء على بيوت الملوك والأمراء ويمدحونهم لكسب المال، ويرجع الفضل لهؤلاء الشعراء في نشره وشهرته، وكانوا يستخدمون اللهجة العامية؛ لأنهم كانوا يختلطون بعامة الشعب والبسطاء، ويريدون توصيل رسالتهم الشعرية لهم بلغة بسيطة يفهمونها، ثم ظهرت الموشحات الأندلسية التي لاقت انتشارًا كبيرًا في ذلك الوقت؛ لبساطتها عن الشعر الفصيح، وزاد تطور شعر العامية وظهر له شعراء جيدون مثل (ابن عروس) الذي برع في نظم الشعر العامي بطريقة (المربعات)، ثم بعد ذلك ظهر (عبد الله النديم) الذي كتب أشعارًا حماسية وقت الثورة العرابية بطريقة السرد المتتالي، ثم جاء (بيرم التونسي) حامل لواء شعر العامية، الذي كانت كتاباته ناقدة ساخرة.
ثم جاء بعده ثلاثي العامية الكبير: صلاح جاهين، وفؤاد حداد، وأحمد فؤاد نجم، وكان لكل منهم أسلوبه وطريقته الخاصة التي يصل بها إلى الجمهور، واستطاعوا الانتقال بالشعر العامي من مجرد كلمات إلى أغنيات يتغنى بها كبار المطربين مثل: عبد الحليم حافظ الذي غنى لصلاح جاهين أغنيتين هما: صورة، ووالله زمان يا سلاحي، ثم ظهر الخال عبد الرحمن الأبنودي الذي أكمل المسيرة مع الشعر العامي ومواقفه البطولية، في أغاني مثل: صباح الخير يا سينا، وعدى النهار، وأحلف بسماها وبترابها، وما زال عطاء مصر من شعراء العامية، فظهر جيل جديد يكملون المسيرة مثل: مصطفى إبراهيم، وأشرف الشافعي، وجمال فتحي، ومايكل عادل، وغيرهم.
وهكذا عزيزي القارئ، استعرضنا ملحمة تاريخية تراثية ثقافية اسمها شعر العامية، وبداية ظهوره وأهم رواده، وكيف أنه لا يقل شأنًا عن شعر الفصحى إن لم يكن أعلى؛ لأنه لا يخاطب طبقة ثقافية معينة، بل يخاطب كل طبقات الشعب مثقفين وعمال وفلاحين.
اقرأ أيضًا: الشاعر نزار قباني.. قامة شعرية عربية خالدة
كتبت: سحر علي.