هل سبق لك أن توقفت لحظة قبل أن تقول كلمة، وكأن لسانك يعجز عن اللحاق بأفكارك؟ هذا الشعور هو ما يعيشه العديد من الأشخاص الذين يعانون من التلعثم، حيث تصبح الكلمات مثل ألغام يتنقلون حولها بحذر، لكن ماذا لو كان هذا العََرض ليس مجرد عقبة لغوية، بل جزءًا من تجربة إنسانية أعمق؟ فماذا تعرف عن الجوانب الأخرى لهذه الظاهرة التي تتجاوز حدود الكلام، وكيف يمكن أن تتحول الكلمات المتعثرة إلى أداة للتعبير عن القوة والمرونة؟

ما التلعثم وما أنواعه؟

التلعثم هو اضطراب في الطلاقة الكلامية يظهر عادة في التوقفات المفاجئة أثناء الحديث أو تكرار الأصوات أو الكلمات، مما يجعل الحديث غير سلس، وهناك نوعان رئيسيان له:

  1. التلعثم المؤقت: يظهر في مراحل معينة من الحياة مثل مرحلة الطفولة المبكرة، وغالبًا ما يختفي مع مرور الوقت دون الحاجة إلى علاج.
  2. التلعثم المزمن: يستمر لفترة طويلة، وقد يظهر في مراحل لاحقة من الحياة، يعاني الأشخاص الذين يعانون منه من صعوبة دائمة في التواصل مما يتطلب علاجًا متواصلًا.
ما التلعثم وما أنواعه؟

ما التلعثم وما أنواعه؟

اقرأ أيضًا: في اليوم العالمي لمرض التأتأة.. تعرف على أسبابها، أعراضها، وكيفية علاجها؟

أسباب التلعثم:

تتنوع أسباب هذه الحالة بين العوامل الوراثية، البيئية، والنفسية، فيما يلي بعض الأسباب التي تؤدي إلى حدوثها:

العوامل الوراثية وتأثيرها:

تشير الأبحاث إلى أن له مكون وراثي، حيث ينتقل من الأجيال السابقة، فإذا كان أحد أفراد الأسرة يعاني منه، فإن هناك احتمالية أكبر للإصابة به.

العوامل البيئية والتربوية:

تلعب البيئة المحيطة دورًا في حدوثه، فبعض الأطفال قد يواجهون تحديات في التفاعل مع بيئاتهم المدرسية أو العائلية مما قد يزيد من فرص ظهوره، خاصة إذا كانت هناك ضغوطات لغوية مبكرة أو تفاعلات غير داعمة.

تأثيرات المشاعر والضغط النفسي:

العوامل النفسية مثل: التوتر، والقلق تلعب دورًا كبيرًا في ظهوره أو تفاقمه، غالبًا ما يعاني الأشخاص المتلعثمون من زيادة في الأعراض عندما يواجهون مواقف اجتماعية ضاغطة أو يتعرضون للمقارنة مع الآخرين.

تشخيص التلعثم:

يشمل التشخيص تقييمًا شاملًا لحالة الشخص من قبل مختص في اضطرابات النطق، يتم استخدام عدة أدوات لتحديد ما إذا كان الشخص يعاني منه ومدى تأثيره على حياته.

كيفية تشخيص التلعثم بواسطة الأطباء؟

يشمل التشخيص فحصًا طبيًا للكلام والتحدث عن التاريخ العائلي والبيئي للشخص، وتقييم كيفية تحدث الشخص في مواقف متنوعة لتحديد نوعه ومدى شدته.

دور التقييم السلوكي في تشخيص التلعثم:

علاوة على الفحوصات الطبية، يعتبر التقييم السلوكي أداة مهمة لتحديد آثاره على حياة الشخص، يتضمن التقييم مراقبة سلوك الشخص في التواصل مع الآخرين في مواقف اجتماعية ومهنية لتحديد كيف يؤثر هذا العَّرض على سلوكه اليومي.

تشخيص التلعثم

تشخيص التلعثم

اقرأ أيضًا: تعرف على 7 أسباب تأخر النطق عند الأطفال وعلاجه

التأثيرات النفسية والاجتماعية للتلعثم:

يؤثر هذا العَّرض بشكل كبير على حياة الشخص سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية.

تأثير التلعثم على ثقة الشخص بنفسه:

من أبرز التأثيرات النفسية للتلعثم هو انخفاض مستوى الثقة بالنفس، حيث يشعر الأشخاص المتلعثمون أحيانًا بالإحراج أو الخوف من المواقف الاجتماعية بسبب صعوبة التواصل، مما يؤدي إلى العزلة الاجتماعية.

التحديات الاجتماعية والمهنية التي قد يواجهها الأشخاص المتلعثمون:

يواجه الأشخاص المتلعثمون تحديات في التفاعل مع الآخرين، وقد يؤثر ذلك على حياتهم المهنية، على سبيل المثال قد يتجنب الشخص المتلعثم إجراء المكالمات الهاتفية أو المشاركة في الاجتماعات؛ بسبب قلقه من التلعثم أمام الآخرين.

استراتيجيات علاج التلعثم:

تتعدد أساليب العلاج وتختلف حسب درجة شدته وأسبابه، يمكن تقسيم طرق العلاج إلى عدة فئات رئيسية:

العلاج بالكلام والتدريب على النطق:

يعد العلاج بالكلام هو الخيار الأساسي للعلاج، يشمل هذا العلاج تدريبات لتحسين الطلاقة في الحديث، مثل تقنيات التنفس، وتقنيات الإبطاء أثناء الكلام، الهدف منه هو تمكين الشخص من التحدث بثقة أكبر.

استخدام التقنيات النفسية والإدراكية:

قد يتضمن العلاج أيضًا تقنيات نفسية مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) للمساعدة في التغلب على القلق والتوتر المرتبط بهذا العَّرض، هذه التقنيات تساعد الشخص على تغيير ردود فعله تجاه مواقف التحدث.

العلاج الدوائي وفاعليته:

في بعض الحالات، يمكن أن يوصي الأطباء باستخدام أدوية معينة للتقليل من القلق أو التوتر الذي قد يسبب هذا العَّرض، لكن يبقى العلاج بالكلام هو الأساس في معظم الحالات.

استراتيجيات علاج التلعثم

استراتيجيات علاج التلعثم

اقرأ أيضًا: عندما تتلاشى الحروف.. فهم عسر القراءة والكتابة في الطفولة المبكرة

دور الأسرة والمجتمع في دعم المصابين بالتلعثم:

يمكن أن يكون الدعم الأسري والمجتمعي عاملًا حاسمًا في تحسين حالة الأشخاص المصابين به.

كيفية دعم الأفراد المصابين في بيئتهم اليومية؟

ينبغي أن تكون الأسرة والبيئة الاجتماعية داعمة للأفراد المتلعثمين من خلال خلق بيئة تواصلية آمنة وتشجيعية، يجب أن يُشجع المصابون بهذا العَّرض على الحديث بحرية دون التسرع أو الانتقاد.

تشجيع بيئة آمنة وداعمة للتواصل الفعّال:

يجب أن يتم تشجيع ممارسات التواصل الفعّالة في المدرسة والعمل، مما يساهم في تحسين قدرة الأفراد على التفاعل بثقة أكبر.

التلعثم في العصر الحديث:

تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على التلعثم:

أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة الوعي حوله، مما وفر للمصابين منصة للتعبير عن أنفسهم دون خوف من الحكم عليهم، كما يمكن لتطبيقات الهاتف المحمول أن تساعد في تحسين الطلاقة عن طريق التدريب الذاتي.

فرص الدعم والوعي المتزايد حول التلعثم في المجتمع المعاصر:

تزداد حملات التوعية حوله، مما يساعد في تقليل الوصمة الاجتماعية المحيطة به، تقدم العديد من المنظمات دعمًا للأفراد المصابين به، مما يعزز فرصهم في الحصول على العلاج والتقبل الاجتماعي.

الآفاق المستقبلية لعلاج التلعثم:

الأبحاث الجديدة في علاج التلعثم:

تسعى الأبحاث الحديثة إلى اكتشاف علاجات أكثر فعالية له، بما في ذلك استخدام تقنيات التعديل العصبي، والذكاء الاصطناعي لتحسين الطلاقة في الكلام.

كيف يمكن للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أن يساهم في العلاج؟

تسهم التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي في تطوير أدوات تفاعلية لتحسين العلاج، حيث يمكن استخدام التطبيقات الذكية لتتبع تقدم العلاج وتقديم الدعم الفوري للأفراد المتلعثمين.

التلعثم ليس عيبًا أو نقصًا، بل هو دافع قوي لإعادة تعريف كيفية تواصلنا مع العالم، في كثير من الأحيان قد تظن أن الصمت هو الخيار الأسهل، لكن الحقيقة أن الذين يتحدونه يكتشفون قوة الكلمات التي لم تُنطق بعد، فهو ليس مجرد تحدٍ للسان، بل هو دعوة للجميع لأن يكونوا أكثر رحمة وتفهمًا، ومن خلاله نتعلم أن التواصل الحقيقي لا يكمن في سرعة أو سلاسة الكلمات، بل في الأصالة والشجاعة التي تكمن وراء كل كلمة تُقال، مهما كانت متقطعة أو بطيئة.

اقرأ أيضًا: التوحد.. عالم خاص يتحدى التواصل التقليدي

كتبت: نهلة سمير.