في عمق حياتنا اليومية، نعيش جميعًا تحت وطأة الشعور بالمسئولية، قد تكون مسئولًا عن عملك، عائلتك، أصدقائك، وحتى عن العالم الذي حولك بطريقة أو بأخرى، لكن ما يحدث عندما يتجاوز هذا الشعور حدوده الطبيعية؟ عندما يبدأ في استنزاف طاقتك، ويجعل الحياة أشبه بحقل ألغام من المهام التي لا تنتهي؟ هذا هو الشعور الزائد بالمسئولية، الذي يجعلك تظن أن كل شيء يقع على عاتقك حتى وإن لم يكن كذلك، هيا بنا نغوص في أعماق هذا الشعور المعقد، نحاول فهم أسبابه وآثاره، ونبحث في كيفية التحرر من عبء غير مرئي أصبح يشكل جزءًا من هويتنا اليومية.
ما الشعور الزائد بالمسئولية؟
الشعور الزائد بالمسئولية هو عندما يعتقد الفرد أنه يجب عليه تحمل عبء كل شيء من حوله، وأنه مسئول عن كل شيء سواء كان ذلك في حياته الشخصية أو في عمله أو في علاقاته مع الآخرين، قد يؤدي هذا الشعور إلى قلق مستمر وتوتر نفسي، بل وأحيانًا إلى تدهور الصحة العقلية والجسدية.

ما الشعور الزائد بالمسئولية؟
اقرأ أيضًا: هل تعاني من التوتر اليومي؟.. إليك الحلول الفعّالة- فيديو
أسباب الشعور الزائد بالمسئولية:
يمكن أن يكون الشعور ناتجًا عن مجموعة متنوعة من العوامل:
- التربية والموروثات الثقافية: قد يتعلم الشخص هذا السلوك في مرحلة الطفولة من خلال البيئة الأسرية التي تشجع على أن يكون الفرد دائمًا في حالة استعداد لتحمل المسئولية.
- الضغوط الاجتماعية: في بعض الثقافات أو المجتمعات، قد يُتوقع من الشخص أن يكون المسئول الأول عن مساعدة الآخرين أو حل المشكلات، مما يؤدي إلى تحميل نفسه عبئًا إضافيًا.
- الطبيعة الشخصية: بعض الأشخاص يتمتعون بشخصية حريصة على إرضاء الآخرين، مما يفرض عليهم أحيانًا تحمل مسئوليات لا تخصهم.
- الظروف المهنية: العمل في بيئة مليئة بالضغوط، قد يدفع الأفراد إلى تحمل مسئوليات أكبر من قدرتهم من أجل الحفاظ على مكانتهم، أو لتجنب الفشل.
الفرق بين المسئولية الطبيعية والشعور الزائد بالمسئولية:
المسئولية الطبيعية هي حالة من الوعي الشخصي بالواجبات التي تقع على عاتق الفرد بناءً على دوره في المجتمع أو في بيئته العملية، أما الشعور الزائد بها فيتسم بالتوتر والقلق المستمر حول هذه المسئوليات، وتحملها بشكل مبالغ فيه، الفرق الأساسي بين الاثنين يكمن في التحكم، حيث يتحمل الفرد المسئولية الطبيعية بكفاءة ووعي، بينما يشكل الشعور الزائد بالمسئولية عبئًا ثقيلًا يستهلك الطاقة والمشاعر دون مبرر حقيقي.

الفرق بين المسئولية الطبيعية والشعور الزائد بالمسئولية
أعراض الشعور الزائد بالمسئولية:
من أبرز الأعراض التي قد تشير إلى شعور الشخص بالمسئولية الزائدة:
- القلق المستمر: التفكير المفرط في المهام أو في المستقبل وتخوفات غير مبررة من الفشل.
- التوتر والإرهاق: بسبب تحميل النفس بمسئوليات غير قابلة للتحقيق.
- الشعور بالذنب: نتيجة الإحساس بعدم القدرة على الوفاء بتوقعات الآخرين أو الذات.
- الانعزال الاجتماعي: الانشغال المفرط بالمسئوليات قد يؤدي إلى التقليل من التواصل مع الأصدقاء والعائلة.
اقرأ أيضًا: الاكتئاب المبتسم.. قناع السعادة الزائف الذي يخفي معاناة النفس
الآثار النفسية للشعور الزائد بالمسئولية:
يمكن أن يؤدي ذلك الشعور إلى العديد من الآثار النفسية السلبية، مثل:
- القلق المزمن: التفكير الدائم في العواقب السلبية للمسئوليات المفرطة.
- الاكتئاب: عندما يتراكم العبء على الشخص ولا يرى مخرجًا من المواقف التي يعتقد أنه يتحمل مسئوليتها.
- الضغط النفسي: التعامل مع مسئوليات متعددة يؤدي إلى ضغط عقلي وجسدي.

الآثار النفسية للشعور الزائد بالمسئولية
كيف يؤثر الشعور الزائد بالمسئولية على الحياة الشخصية والمهنية؟
- الحياة الشخصية: يمكن أن يؤدي إلى تراجع في العلاقات الاجتماعية والعاطفية، عندما يركز الشخص بشكل مبالغ فيه على التزامات معينة، قد يغفل عن الاهتمام بالآخرين، مما يؤدي إلى التوتر والصراعات.
- الحياة المهنية: في العمل قد يؤدي إلى الإرهاق الشديد، مما يؤثر سلبًا على الإنتاجية، قد يعاني الشخص أيضًا من ضعف تقدير الذات في حال فشل في تلبية توقعات غير واقعية.
كيفية التوازن بين المسئولية والرفاهية النفسية؟
من أجل الحفاظ على التوازن بين المسئوليات والرفاهية النفسية، ينبغي:
- وضع حدود واضحة: تعلم كيفية قول “لا” عند الحاجة وعدم قبول المزيد من المسئوليات المفرطة.
- التفويض: في الحياة المهنية، يمكن تفويض بعض المهام للآخرين لتخفيف العبء.
- الاعتناء بالنفس: تخصيص وقت للراحة والاستجمام والأنشطة المهدئة مثل: الرياضة، أو التأمل.

كيفية التوازن بين المسئولية والرفاهية النفسية؟
استراتيجيات للتعامل مع الشعور الزائد بالمسئولية:
- التخطيط وإدارة الوقت: تحديد أولويات المهام وتخصيص وقت لكل منها بطريقة منطقية.
- تقليل التفكير المفرط: تقبل أن الإنسان لا يمكنه التحكم في كل شيء، والعمل على تقليص مشاعر القلق المستمر.
- البحث عن الدعم الاجتماعي: من خلال التحدث مع الأصدقاء أو مستشار نفسي، يمكن تقليل الشعور بالعزلة.
أثر الشعور الزائد بالمسئولية على العلاقات الاجتماعية:
قد يؤدي إلى تباعد العلاقات الاجتماعية بسبب الانشغال المفرط بالمهام اليومية، قد يشعر الشخص أنه يتحمل العبء وحده ويبتعد عن الآخرين، مما قد يسبب توترًا في العلاقات.
الشعور الزائد بالمسئولية والاحتراق النفسي.. علاقة متشابكة:
هناك ارتباط وثيق بين الشعور الزائد بالمسئولية والاحتراق النفسي، عندما يتحمل الفرد مسئوليات أكبر من طاقته، يؤدي ذلك إلى استنفاد طاقته الجسدية والعقلية، مما يسبب الاحتراق النفسي.
دور التربية والبيئة في تعزيز الشعور الزائد بالمسئولية:
الأسرة والمجتمع يمكن أن يلعبا دورًا كبيرًا في تكوين هذا الشعور، التربية التي تشجع على تحمل مسئوليات مبالغ فيها أو البيئة التي تعزز من قيمة العطاء على حساب الذات قد تساهم في تنمية هذا الشعور.
الشعور الزائد بالمسئولية تجاه مشاعر الآخرين:
شعور مرهق يسبب ضغطًا نفسيًا على الشخص، حيث يسعى دائمًا لضمان راحة الآخرين ورضاهم على حساب احتياجاته الخاصة، هذا النوع من المسئولية قد ينشأ من رغبة في تجنب الصراع أو من خوف من أن يتسبب الشخص في إزعاج أو ألم للآخرين، لكن من المهم التوازن بين الاهتمام بمشاعر الآخرين والاهتمام بالنفس، الشعور بالمسئولية تجاه الآخرين قد يكون دافعًا إيجابيًا في العلاقات الإنسانية، لكنه يصبح مشكلة إذا تم تجاهل الذات واحتياجاتها، من المفيد أن يتعلم الشخص كيفية وضع حدود صحية والتعبير عن مشاعره بشكل صريح، حتى لا يشعر بالعبء الزائد.
اقرأ أيضًا: التحكم في القلق.. فهم وتخفيف المزاج القهري
كيف يمكن تقليل الشعور الزائد بالمسئولية في العمل؟
في بيئة العمل، يمكن تقليل هذا الشعور عن طريق:
- التواصل مع المدير أو الزملاء: مناقشة توزيع المهام بشكل عادل.
- تعلم المهارات التنظيمية: مثل تحديد الأولويات وتفويض المهام بشكل صحيح.
التحديات المرتبطة بالتعامل مع المسئوليات الزائدة وكيفية مواجهتها:
من أبرز التحديات التي قد يواجهها الشخص الذي يعاني من هذا الشعور:
- الخوف من الفشل: قد يخشى الشخص أن يظهر غير قادر على تلبية توقعات الآخرين.
- التوقعات غير الواقعية: غالبًا ما يضع الأشخاص توقعات غير منطقية لأنفسهم.
التوجيه النفسي لعلاج الشعور الزائد بالمسئولية:
الاستشارة النفسية يمكن أن تساعد في التعامل مع هذا الشعور، يمكن للمختصين تقديم الدعم وتوجيه الشخص نحو تطوير استراتيجيات مرنة لإدارة المسئوليات وتحقيق التوازن النفسي.
قد يبدو أن الشعور الزائد بالمسئولية هو شيء جيد في البداية، لكنه في الحقيقة لا يعدو أن يكون عبئًا غير مرئي يزداد ثقلًا مع مرور الوقت، عندما تأخذ على عاتقك مسئوليات تفوق طاقتك، تصبح الحياة أقرب إلى سباق ماراثوني لا نهاية له، لذا ربما حان الوقت للتوقف عن التصور بأنك الشخص الذي يجب عليه إصلاح كل شيء، تذكر أنك لست الوحيد في هذه الرحلة، ولا يجب أن تحمل كل الأوزان، الحياة تصبح أسهل وأكثر إشراقًا عندما تدرك أن المسئولية ليست عبئًا بل شراكة مع من حولك، في النهاية لا أحد يحتاج إلى بطل دائمًا، بل إلى إنسان قادر على الاعتناء بنفسه أولًا، حتى يستطيع العطاء بلا ألم نفسي أو جسدي.
اقرأ أيضًا: كابوس العصر.. ما أسباب التوتر النفسي وكيف نتخلص منه؟
كتبت: نهلة سمير.