كشف الكاتب الصحفي إلهامي المليجي عن علاقته بالكاتب الأردني غالب هلسا لم تكن مجرد صداقة عبرت به الحياة، بل كان رفيقًا له في الفكر والتجربة، شريكًا في قلق الأسئلة الكبرى وحلم العدالة الذي جمعنا تحت سماء اليسار، لم تكن صداقتهما تنبع فقط من عملهما المشترك، بل كانت تتشكل على إيقاع محبة خاصة، وأوضح خلال ندوة نظمتها دار نفرتيتي حول رواية السؤال للكاتب الأردني غالب هلسا، شارك فيها عدد من الأدباء والكُتاب والمثقفين، هذه الندوة تخصص بمناقشة موضوعات أدبية وفكرية تعنى بالشأن الثقافي المصري والعربي.
فمن هو غالب هلسا؟ ومن هم أبرز المشاركين في هذه الندوة؟ وما رواية السؤال؟ في السطور القادمة سنستعرض كافة التفاصيل مع ذكر كلمة الكاتب الصحفي إلهامي المليجي في هذه الندوة.
من هو الكاتب غالب هلسا؟
ولد غالب هلسا في الأردن في 18 ديسمبر 1932 بقرية ماعين في محافظة مادبا، وتوفي في نفس اليوم من عام 1989 في دمشق بسوريا، عاش فترة طويلة من حياته الأدبية في مصر بين عامي 1953 و1976، وأسهم بشكل كبير في إثراء المشهد الثقافي المصري والعربي، يُعتبر من أبرز الأدباء العرب في القرن العشرين، وهو معروف بإسهاماته في الرواية العربية التي جمعت بين الواقعية والتحليل النفسي والاجتماعي.
أصدر أول مجموعة قصصية له بعنوان (وديع والقديسة ميلاده) عام 1970 عن دار الثقافة الجديدة بالقاهرة، ورواية (الخماسين) عام 1975، وبعد انتقاله إلى بيروت نشر عدة روايات هامة مثل: (سلطانة)، و(الروائيون)، كما ساهم في تحرير مجلة (جاليري 68)، وقدم دراسات نقدية عن أعمال عدد من الأدباء المصريين مثل: محمد البساطي، إبراهيم أصلان، وبهاء طاهر، كان أيضًا أول من ترجم كتاب (جماليات المكان) لجاستون باشلار، وكتب مقدمة لديوان (الموت على الأسفلت) لعبد الرحمن الأبنودي.
اقرأ أيضًا: أوجلان من الاختطاف إلى الإبداع.. إرادة شعبية تضئ ليل القاهرة
من هم المشاركون في ندوة رواية السؤال؟
شارك في هذه الندوة تحت قيادة الكاتب والناقد شعبان يوسف نخبة من الكتاب والمبدعين الذين عرفوا (هلسا) عن قرب، ومن بينهم:
- الكاتب الصحفي إلهامي المليجي.
- الكاتبة الأديبة سلوى بكر.
- الكاتبة الأديبة عزة كامل.
كلمة الكاتب الصحفي إلهامي المليجي خلال ندوة رواية السؤال:
غالب هلسا لم يكن مجردَ صديقٍ عَبَرتْ به الحياة، بل كان رفيقًا في الفكرِ والتجربة، شريكًا في قَلَقِ الأسئلةِ الكبرى وحُلُمِ العدالةِ الذي جمعنا تحت سماءِ اليسار، لم تكن صداقتنا تَنبُع فقط من عملِنا المشترك، بل كانت تتشكَّل على إيقاعِ مَحبَّةٍ خاصةٍ أحاطني بها، ربما لكوني مصريًّا، أو لرغبته في بناءِ جسرٍ يَجمعُ روحين تقاطعتا عند هُمومِ الأمةِ وآمالِها.
علاقتُنا امتدت وتجذَّرت بعد خروجِنا من بيروتَ عامَ 1982، حين وجدنا في دمشقَ محطةً جديدةً لصراعِنا الفكريِّ والنضالي. عملنا معًا في مجلةِ (فتح)، حيث كنتُ سكرتيرَ تحريرِها، وكان غالبٌ يكتبُ مقالًا أسبوعيًّا يعكسُ رؤيتَه العميقةَ وشجاعتَه في مواجهةِ الأسئلةِ الصعبة، كانت لقاءاتُنا اليومية مساحاتٍ من الحوارِ المتشابك بين الأدبِ والفكرِ والسياسة، مشبعةً بحرارةِ القضايا وروحِ الصداقة.
في منزلِه الدمشقي، الذي كنتُ أزوره مرارًا، تكرَّرت لقاءاتُنا مع الكاتبِ والناقدِ الراحلِ سيد خميس، صديقِ غالبِ القديمِ وشريكِه في تجربةِ الاعتقال، كان المعتقلُ حينها أشبهَ بورشةِ مقاومةٍ غيرِ مُعلَنة، يضمُّ أقلامًا صنعت التاريخَ مثل الشاعرين الراحلين عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب، وكأن الزنازينَ تحوَّلت إلى فضاءاتٍ تتنازعُها المعاناةُ والكرامة، غالب لم يكن عاشقًا لمصرَ فحسب، بل كان يراها جزءًا لا يتجزَّأُ من تكوينِه الإنساني، ويراها امتدادًا طبيعيًّا لروحهِ الأردنية.
كان يصفُ نفسَه بـ (أردنيٍّ مصريٍّ)، ويحلمُ دومًا بالعودةِ إليها، بدأ هذا الحُلمُ يأخذُ شكلَه الواقعيَّ عبر ترتيباتٍ مع الراحلِ إدوارد الخراط، لكنه لم يكتمل، كتب غالبٌ باللهجةِ المصرية وكأنها صوتُه الداخلي، لغةٌ حميميةٌ يبوحُ بها للحياة، من بين أعمالِه التي تركت أثرًا عميقًا، تتصدر روايةُ (السؤال)، التي تحملُ بين سطورِها نبضَ مصرَ وصدى روحِه، حين طلب مني إعادةَ نشرِ (السؤال)، كان حرصُه على أن تُطبَعَ في دارٍ مصريةٍ أشبهَ بوصية.
أصرَّ على أن تكون النسخةُ الجديدةُ شاهدةً على روحِ مصرَ فيه، وأن تضمَّ مقدمةً تسردُ حكايةَ خروجِ المخطوطِ من مصر، بجانبِ إجاباتِه الدقيقةِ على أسئلةِ باحثةٍ مغربيةٍ كانت تُعِدُّ رسالةً أكاديميةً عن الروايةِ في جامعةِ السوربون، غالب هلسا لم يكن مجردَ كاتبٍ يملأ الأوراق، بل كان مشروعًا إنسانيًّا يتجسَّدُ في رجل، مزج بين الانتماءِ للوطن والانفتاحِ على العالم، وبين الصلابةِ الفكريةِ ودفءِ المشاعرِ الإنسانية، كان قلمُه شاهدًا على عصرِه، وكانت حياتُه انعكاسًا لقيمٍ لم تخفُتْ جذوتُها، ليظلَّ أثرُه خالدًا في قلوبِ من عرفوه، وفي صفحاتِ الأدبِ التي ستروي قصتَه للأجيال.
رواية السؤال:
تعد رواية السؤال من أبرز أعمال هلسا التي تناول فيها وقائع مغادرته للقاهرة، تُطرح الرواية الآن في طبعة جديدة، لتعيد إحياء تجربة أدبية وثقافية فريدة مستوحاة من مصر وحياته بها.
ختامًا، تجسد ندوة رواية السؤال تقديرًا لإرث الكاتب غالب هلسا الأدبي والفكري، وتفتح بابًا جديدًا للاحتفاء برموزنا الأدبية وبإبداعاتهم التي كانت وما زالت مصدر إلهام للأجيال في كل وقت.
اقرأ أيضًا: معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024.. سلسلة أصوات أدبية تنبض بالحياة
كتب: محمد بلال.