الأمثال الشعبية للمحافظات المصرية ليست مجرد كلمات متوارثة، بل مرآة تعكس تاريخ وطباع أهل كل محافظة، تحمل بين طياتها قصصًا وحكايات جعلتها تنتقل من جيل إلى آخر، هل تساءلت يومًا عن سر ارتباط المنوفية بالبخل، أو لماذا يقال عن أهل الشرقية إنهم عزموا القطار؟ وهل حقًا أهل دمياط حريصون إلى هذه الدرجة، أم أن هناك تفسيرًا آخر؟ في هذا المقال سنغوص في بحر الأمثال الشعبية للمحافظات المصرية، نكشف عن أصولها ونحاول فك شفراتها لنفهم كيف أصبحت جزءًا من هوية كل محافظة.
الأمثال الشعبية للمحافظات المصرية:
تعد الأمثال الشعبية للمحافظات المصرية جزءًا من التراث الشفهي الذي يعكس طابع كل محافظة وسماتها المميزة، فهي تنشأ غالبًا من مواقف تاريخية أو صفات اشتهر بها أهل كل منطقة، ومن بين هذه الأمثال: “المنوفي لا يلوفي ولو أكلته لحم الكتوفي”، “الأسايطة يهود مصر”، “الشرقاوية اللي عزموا القطر”، “صاحب حاوي ولا تصاحب محلاوي” وغيرها، حيث أصبح لكل محافظة مثل يميزها عن غيرها، ليعبر عن طبيعة أهلها أو تجارب الأجداد معهم، مما جعل هذه الأمثال جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المصرية، ومن أبرز هذه الأمثال ما يلي:
إسكندرية أجدع ناس:
عندما كتب الشاعر المبدع صلاح جاهين كلماته الشهيرة: “اقروا الفاتحة لأبو العباس يا إسكندرية يا أجدع ناس”، لم تكن مجرد كلمات كتبها لتغنيها إحدى المطربات، ولكنها كانت تعبيرًا عن خصال وصفات حقيقية يتمتع بها أهالي الإسكندرية، وأهمها الشجاعة والشهامة والجدعنة، تلك الصفات التي اكتسبوها بسبب تعاملهم مع البحر، الذي منحهم الشجاعة والشهامة وعدم الخوف.

إسكندرية أجدع ناس
كما أن أهالي الإسكندرية معروفون بالقوة والصمود، حيث دارت فيها وفي كفر الدوار معارك أيام نضال أحمد عرابي ضد الاحتلال الإنجليزي، وأثبت أهل الإسكندرية مدى قوتهم وتضحياتهم.
اقرأ أيضًا: الأمثال والأقوال الخطأ.. كلمات نرددها تقودنا للخطأ
المنوفي لا يلوفي ولو أكلته لحم الكتوفي:
استحوذت محافظة المنوفية على نصيب الأسد من الأمثال الشعبية للمحافظات المصرية، ويتداول المصريون عددًا من النكات التي تبالغ في اتهام أهالي المنوفية ووصفهم بالبخل الشديد، ومن النكات المضحكة أن أحد المنايفة اشتعل حريق في منزله، فأعطى هيئة الاطفاء رنة من هاتفه.
ومن أشهر الأمثلة التي أطلقت على أهالي المنوفية: “المنوفي لا يلوفي ولو أكلته لحم الكتوفي”، وكلمة (لا يلوفي) تعني الائتلاف والود، دليلًا على أن أهالي المنوفية لا يتألفون مع الغير بسهولة، وهناك مثل آخر: “لو أخدت من الكلب صوف، ماتدخدش من المنوفي معروف”، ولكن إحقاقًا للحق يجب أن نذكر هنا أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي نشأ فيها معظم أهالي المنوفية من فقر وضيق الرقعة الزراعية، جعلته يلجأ إلى تعويض ذلك الحرمان بالحرص الشديد لتحسين ظروف معيشته وحياته.
الشرقاوية اللي عزموا القطر:
على النقيض تمامًا من محافظة المنوفية، يتحدث المصريون عن كرم أهالي محافظة الشرقية، حيث يتفاخر أهلها دومًا بعبارة “إحنا اللي عزمنا القطر” ويستدلون بها على كرمهم، ولهذا المثل قصة شهيرة عن قرية من قرى الشرقية تعطل عندها القطار في يوم من أيام شهر رمضان المبارك وقت أذان المغرب، وكان منزل العمدة أمام المحطة، فقام بدعوة الركاب وتوزيعهم على جميع منازل القرية ليتناولوا طعام الإفطار، حتى تم إصلاح القطار.
1000 نوري ولا واحد دمنهوري:
مدينة دمنهور في محافظة البحيرة، اختصها المصريون بالمثل الشعبي الشهير: “ألف نوري ولا دمنهوري”، ولهذا المثل قصة قديمة خلاصتها أن أحد اليهود يومًا ما حاول خداع تاجر دمنهوري من أهل دمنهور اسمه الحاج إبراهيم، حيث اشترى منه بضاعة وبقي له ثمانية جنيهات، وعندما أعادها الحاج إبراهيم أخفى اليهودي أحد الجنيهات، وادعى أنها سبعة فقط.

1000 نوري ولا واحد دمنهوري
فقال الحاج إبراهيم: “كيف هذا؟ أعِد إليّ الجنيهات السبعة”، وحين أعادها إليه قال أمام الزبائن: “صحيح إنها سبعة”، ثم فتح صندوق النقود وأخرج جنيهًا وادعى إضافته إلى النقود قبل أن يعيدها إليه، وعندما انصرف التاجر بسرعة معتقدًا نجاح حيلته، عدّ النقود فوجدها سبعة، واكتشف أن حيلته فشلت ولم تخدع التاجر الدمنهوري، ومن هنا جاء المثل الشهير: “ألف نوري ولا واحد دمنهوري”، والنوري في الثقافة المصرية القديمة معناه اللص أو السارق.
اقرأ أيضًا: نقبك طلع على شونة وعند أم ترتر.. حكايات من الأمثال الشعبية
تشرب شاي ولا مش كييف:
من أشهر الأمثال الشعبية التي أطلقت على أهالي دمياط: “تشرب شاي ولا مش كييف، وتتعشى ولا تنام خفيف” وتتهمهم بالبخل، فهذه الصفة لم تتوقف عند أهالي المنوفية فقط، بل طالت أهل دمياط أيضًا، وفي هذا قصة طريفة تحكي عن رجل دمياطي كبير في السن كان على فراش الموت، ونادى على أبنائه يوصيهم، فلما حضروا مسرعين معتقدين انه سيخبرهم عن كنز مدفون أو ميراث كبير، صرخ فيهم قائلًا: “أنتو جايين كلكم وسايبين النور مولع”.
ويعتقد الباحثون في التراث المصري بأن البخل صفة متوارثة عند أهالي دمياط منذ قديم الأزل، وحللوا ذلك باعتقادهم بأن القرية التي أبت أن تطعم نبي الله موسى -عليه السلام- والعبد الصالح الخضر هي دمياط، حيث إنها تقع عند مجمع البحرين، وملتقى نهر النيل بالبحر المتوسط.
الأسايطة يهود مصر ومنايفة الصعيد:
تم وصف أهالي محافظة أسيوط أيضًا بالبخل، وسبب ذلك يرجع إلى قصة طريفة حدثت بالفعل، تحكي أن تاجرًا يهوديًا مر على مدينة أسيوط راكبًا حماره، وأعطى أحد الشباب نكلة (2 مليم)، وطلب منه أن يشتري له شيئًا يأكله وشيئًا يشربه وآخر يتسلى به، وشيئًا لحماره، فذهب الشاب وعاد ومعه بطيخة، وقال له: “كل منها واشرب من مائها وأعطِ قشرها للحمار، ثم تسلَّ بما فيها من لب”.
بلدي طنطا وأنا أحب أعيش أونطة:
بالرغم من شهرة أهالي طنطا بالجود والأخلاق الطيبة، إلا أنهم ارتبطوا بالمثل الشعبي: “بلدي طنطا وأنا أحب أعيش أونطة”، ولكن هذا المثل سببه أن بعضًا من أهالي مدينة طنطا يفضلون الاستسهال في بعض أمورهم على حساب الغير.
أهل القاهرة والجيزة مالهمش أصل:
يصف البعض مواليد محافظتي القاهرة والجيزة بأنهم: “اللي ساكن فيهم مالوش أصل”، وتفسير ذلك أن معظم سكان القاهرة والجيزة أصولهم ترجع إلى محافظات أخرى من الصعيد أو من الوجه البحري.

أهل القاهرة والجيزة مالهمش أصل
عامل نفسه من بنها:
هذا المثل بالرغم من أنه يطلق على أهالي مدينة بنها، إلا أنهم ليسوا المقصودين به، وأصل المثل أن بعضًا من ركاب القطار المتجه إلى الوجه البحري كانوا يزعمون أنهم من بنها حتى لا يدفعوا قيمة التذكرة كاملة، ولهذا يقال: “عامل نفسه من بنها” تعبيرًا عن إدعاء عدم الفهم، واللؤم الخفيف.
وختامًا، يمكننا القول إن الأمثال الشعبية للمحافظات المصرية تعكس مزيجًا فريدًا من الصفات والعادات التي تميز كل منطقة، سواء كانت إيجابية أو ساخرة، فبين الجدعنة والكرم، والبخل والدهاء، تبقى هذه الأمثال جزءًا أصيلًا من التراث الشعبي، تحفظ قصص الأجداد وتنقلها للأجيال القادمة، في صورة حكم مختصرة ولكنها تحمل بين طياتها تاريخًا طويلًا من الحكايات والمواقف.
اقرأ أيضًا: اكسر وراه قلة.. استمرارية الأمثال الفرعونية في حياتنا اليومية
كتبت: سحر علي.