عندما نقف على حافة المجهول، يتسلل الخوف إلى أعماقنا، ليقيدنا بأغلال غير مرئية، إنه ليس مجرد شعور عابر، بل هو قوة تتغلغل في أعماقنا وتترك آثارها في كل خطوة نخطوها، لكن هل فكرت يومًا أن هذا الشعور الذي يبدو وكأنه يحميك، قد يكون في الواقع السجان الذي يمنعك من اكتشاف إمكانياتك الحقيقية؟ في لحظات كثيرة يكون عائقًا غير مرئي، يتسلل إلى أفكارنا ليثبط عزائمنا ويكبح طموحاتنا، فكيف يمكن لهذا الشعور البسيط أن يصبح عائقًا حقيقيًا في حياتنا اليومية، وكيف يمكننا التغلب عليه لنعيش بحرية أكبر.
الخوف كآلية دفاعية طبيعية:
الخوف شعور فطري يساعد الإنسان على البقاء في حالة تأهب ويحفز الجسم على اتخاذ ردود فعل سريعة في المواقف الخطرة، في حالات مثل التعرض للخطر، يعمل هذا الشعور كآلية دفاعية، حيث يرفع مستويات الأدرينالين (وهو عبارة عن هرمون تنتجه الغدة الكظرية، بالإضافة إلى كونه ناقلًا عصبيًا أي أن الدماغ قادر على معالجته)، يفرز في الجسم بحالات الطوارئ والأزمات من أجل إيقاظ وتيقظ الجسم، مما يزيد من القدرة على الهروب أو المواجهة، على سبيل المثال عندما نواجه حيوانًا مفترسًا أو نكون في بيئة غير آمنة، فيعمل هذا الشعور على تحفيز ردود فعلنا البدنية والعقلية التي قد تساعد في النجاة.
اقرأ أيضًا: الخوف المزمن.. الآفة الخفية التي تدمر العقل والجسد
هل الخوف عدو أم صديق؟
بينما يعتبر هذا الشعور في المواقف الخطرة أمرًا إيجابيًا، إلا أن له دورًا مزدوجًا في حياة الإنسان، ففي بعض الأحيان يكون دافعًا للتطور والنمو الشخصي، عندما نواجه تحديات جديدة مثل: تقديم عرض أمام جمهور، أو تغيير وظيفة، قد يكون هو المحفز الذي يدفعنا للاستعداد بشكل أفضل، لكن، إذا سيطر هذا الشعور بشكل مبالغ فيه، فقد يصبح عائقًا يمنعنا من اتخاذ قرارات هامة أو حتى المخاطرة التي قد تؤدي إلى فرص جديدة.
أضرار الخوف الزائد على الحياة اليومية:
عندما يتجاوز هذا الشعور حده الطبيعي، يصبح مدمرًا، حيث إن الخوف المفرط يؤدي إلى القلق المستمر، وبالتالي التأثير على الحياة، قد يشعر الشخص الذي يعاني من هذا الشعور الزائد بعدم القدرة على اتخاذ قرارات يومية أو تجنب المواقف الاجتماعية، مما ينعكس سلبًا على الراحة النفسية والبدنية، كما أن القلق المزمن قد يسبب مشاكل صحية مثل: اضطرابات النوم، زيادة معدل ضربات القلب، وصعوبة التركيز.
الفرق بين الخوف الصحي والخوف المرضي:
من المهم أن نفرق بين الخوف الصحي الذي يحفزنا على اتخاذ إجراءات وقائية، والخوف المرضي الذي يعوق حياتنا، فالصحي يساعد في اتخاذ القرارات بشكل سريع ومناسب مثل تجنب المواقف الخطرة، أما المرضي فهو حالة مفرطة من القلق، حيث يشعر الشخص به في مواقف غير مبررة، مما يؤثر على حياته اليومية، في هذه الحالة يحتاج الشخص إلى استشارة مختص لمعالجة مشكلته.
اقرأ أيضًا: التحكم في القلق.. فهم وتخفيف المزاج القهري
كيف يؤثر الخوف على حياتنا؟
غالبًا ما ينشأ هذا الشعور من مواجهة المجهول أو من التفكير في المستقبل، هذا النوع من الخوف يمكن أن يمنعنا من تجربة أمور جديدة أو اتخاذ خطوات مهمة في الحياة، فعندما لا نعرف ما الذي سيحدث في المستقبل، يمكن أن يعوقنا الخوف من الفشل أو الرفض، لذا من المهم تعلم كيفية التعامل معه بطرق فعالة، مثل: تحديد الأهداف الواقعية، والانفتاح على التجارب الجديدة، حتى نتمكن من المضي قدمًا.
التحرر من الخوف:
التحرر منه يتطلب العمل على تعزيز الثقة بالنفس وتعلم أسس التحكم في الأفكار السلبية، وهذه بعض الخطوات التي يمكن اتباعها تشمل:
- كتابة الأشياء التي تبعث الشعور بالسعادة لوجودها في حياتنا.
- تقدير الشجاعة الذاتية.
- التصريح عن مشاعر الخوف يعطي الفرد قوة للتّغلب عليها.
- إدراك هل مخاوفنا حقيقية أم غير عقلانية وتخيلات.
- التفكير بمنظور بعيد الأمد، على الرغم من أنه لا يحل المشاكل الموجودة حاليًا، إلا أنه يساعدنا بالتفكير بشكل منطقي أكثر.
- التثقيف، يفيدنا كثيرًا في حالات الخوف من المجهول، حيث تتضح الرؤية بمعلومات وحقائق مؤكدة بدلًا عن التخمين.
- التدرّب وتقمُّص الأدوار يساعدنا في التغلب عليه في المواقف الحرجة، فمثلًا إذا كان لديك خوف من التحدث أمام الأخرين، فإن تقمُّص دور المُتحدّث والتدرّب عليه يخفف من حدة التوتر.
- تصور النجاح يسهل تحقيقه؛ لأن التخطيط الذهني يساعدنا على اتباع المسار المحدد مسبقًا.
- الحفاظ على الإيجابية؛ لأنها تساعد على الاستمرارية حتى بعد الفشل الأولي.
- المرونة، فعند فشل طريقة ما يجب على الفرد أن يكون مرنًا بما فيه الكفاية لتجربة طريقة أخرى.
- العلاج بالتعرض المتكرر، حيث يقوم على أساس تقليص حجم المخاوف بهدف الاعتياد عليها، ويجب أن تتم تحت إشراف اخصائي الصحة النفسية.
- مواجهة خوفك تدريجيًا عبر تحديات صغيرة لتحفيز النمو الشخصي.
الخوف والتأثير الاجتماعي.. كيف يشكلنا؟
هذا الشعور يؤثر أيضًا على علاقاتنا الاجتماعية، إذا كان الشخص خائفًا من رفض الآخرين أو الانتقاد، فقد يتجنب التواصل الاجتماعي أو يتصرف بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى العزلة والشعور بالوحدة، لذلك من خلال العمل على فهم هذه المخاوف والتعامل معها، يمكن تحسين العلاقات الاجتماعية وبناء روابط صحية ومستدامة.
اقرأ أيضًا: علامات صدمات الطفولة.. كيف تؤثر على نمو أطفالنا وتشكيل شخصياتهم؟
احذر ممن يستثمرون مخاوفك:
لا شك في أننا نعيش في بؤر فساد في كل مكان حولنا يختبئ من يستثمر الخوف بل ويصنعه، فنجد أنفسنا نبحث عن الاحتماء دون أن نعرف ضد من أو ممن نخاف، وتزداد مخاوفنا حدة حينما لا نجد من يستطيع تفسير ما يحدث، ونتذكر بهذا الصدد الخلافات الحادة بين أطباء العالم والتي ظهرت فيما يتعلق بطبيعة (فيروس كوفيد 19)، ومدى فعالية اللقاحات، والإجراءات التي اتخذتها بعض البلدان.
ولا يخفى عنا ما أثاره تضارب التأويلات من حيرة وفزع زادا من خطورة الوباء، ومن التشكك وفقد الثقة في السلطات الصحية، بل وفي الأطباء والعلماء، ومما زاد الأمر سوءًا، تدخل مواقع التواصل الاجتماعي بقدراتها الخارقة على خلق الشائعات، وعلى بثها في أصقاع العالم.
الخوف والإبداع:
الخوف المفرط يعيق الإبداع، حيث يشعر الشخص بأنه غير قادر على تجربة أفكار جديدة أو اتخاذ خطوات جريئة، لكن عندما يتم التحكم في هذا الخوف، يصبح مصدرًا للتحفيز، مما يجعل الشخص يسعى دائمًا لتحسين أفكاره وتنفيذ مشاريعه.
كيف ننظر إلى المستقبل دون تهويل؟
الخوف من المستقبل شعور شائع بين كثير من الناس، ولكنه يصبح عائقًا إذا لم يتم التحكم فيه، بدلًا من القلق المفرط، يمكن تعلم آليات التخطيط للمستقبل بطرق مرنة تتيح لنا التكيف مع التغيرات، من المهم أن نتذكر أن المستقبل لا يمكن التنبؤ به بالكامل، ولكن ما نستطيع فعله هو تطوير المهارات والموارد التي تتيح لنا مواجهة تحدياته بثقة.
وأخيرًا، الخوف ليس مجرد شعور نختبره في لحظات الضعف، بل هو قوة كامنة يمكن أن تبني لنا أسوارًا من الأمان أو تقيدنا بأغلالٍ لا نراها، فنحن من نقرر متى نترك لهذا الشعور أن يكون درعًا يحمي، ومتى نسمح له أن يتحول إلى قيد يخنق طموحاتنا، الحقيقة أنه هو المفتاح الذي يمكن أن يفتح أبواب الفرص، لكن قد نغلق تلك الأبواب بأيدينا إذا استسلمنا له، فهل سنسمح لأنفسنا أن نعيش في ظل الحماية الزائفة التي يوفرها؟ أم سنواجهه، نحتضنه، ونتجاوز ما يحدّنا؟ الإجابة ليست في الكلمات، بل في القرارات التي نتخذها كل يوم.
اقرأ أيضًا: لماذا يتفاقم الرهاب الاجتماعي في عصر التواصل الافتراضي؟
كتبت: نهلة سمير.