في هذه الفترة المليئة بالتوترات وما حدث للعالم من تغيير كبير بسبب فيروس كورونا، ازداد استخدام تطبيق تيك توك (Tik Tok) حتى وصل عدد مرات التحميل من إلى مليار ونصف متفوقًا بذلك على فيسبوك وسناب شات وإنستجرام، وهنا نتساءل: “هل تيك توك مجرد موجة عابرة، أم أنه سيغير الشكل الحالي لـ (Social Media) وسائل التواصل الاجتماعي؟

بعد قضايا شهيرة أثيرت حول صناع المحتوى في مصر، بدأ الناس يتساءلون عن تطبيق تيك توك وLikee وعن تأثيرهما الحقيقي على الشباب والمراهقين، وعن أكبر شريحة يصل إليها هذا التطبيق، لذلك يجب علينا بادئ ذي بدء أن نتعرف على هذا التطبيق وكيف استطاع فرض نفسه في سوق التكنولوجيا الحديثة؟

كيف فرض تيك توك سيطرته على السوق؟

ربما كان Vine هو نقطة التحول في الفيديوهات القصيرة، ولكنه كان مقتصرًا على جمهور المبدعين فقط والباقي مجرد متفرج، ولذلك لم يستمر طويلًا، ثم جاء Musically وكان يستخدم تقنية مزامنة الشفاه، لكن القفزة الحقيقية مع تطبيق تيك توك، الذي كانت شهرته في البداية مقتصرة على الصين ودول شرق آسيا فقط، حتى ضمت الشركة التطبيقين ونقلت بيانات المستخدمين من ميوزكلي إلى تيك توك، لينطلق عالميًا.

كما ذكرنا سابقًا شهد فيسبوك وسناب شات انخفاضًا في عدد مستخدميها أمام التيك التوك، وذلك لأن مطوري تيك توك استخدموا وسائل ذكية للوصول إلى متابعيه، وتشير الإحصائيات إلى أن أكبر عدد من مستخدمي التيك توك بنسبة 60% تتراوح أعمارهم من الـ 16- 24 سنة، أي الجيل الذي ولد بعد سنة 1995 ميلاديًا، هذا الجيل الذي نشأ والهواتف المحمولة أو الكومبيوترات بين أيديهم، وقد قدرت الشركة التي تملك تطبيق تيك توك بـ 75 مليار دولار سنة 2018.

كيف فرض تيك توك سيطرته على السوق

7 استراتيجيات ذكية وراء نجاح Tik Tok

  1. 15 ثانية فقط: لا يزيد عمر الفيديو عن 15 ثانية في البداية، وهي فكرة ذكية جدًا، فقد استعانت الشركة بمحللين نفسيين ووجدوا أن جيل المراهقين لا يحافظون على الانتباه لأي محتوى لفترة طويلة، وهو يعكس بدقة طلب السوق.
  2. تحرير الفيديوهات المبسط: إن عملية تحرير الفيديوهات على اليوتيوب وغيره تحتاج إلى إمكانيات عالية، أما على تيك توك فهو أمر سهل حتى لمن يمتلك هاتف ذكي قديم، وتم تزويد التطبيق بمؤثرات تجميلية ورموز تعبيرية جاهزة.
  3. التحديات الفيروسية: التحديات التي نشرها المشاهير مثل أيريانا غراندي أو حتى غيرها من الناس العاديين للقيام بالرقص أو الغناء على إيقاع الأغاني جذب عدد كبير من المستخدمين.
  4. التحليل العميق للجمهور المستهدف: وصلوا في عملية تحليل البيانات (Analyzing) لأبعد الحدود، فيقومون بإزالة التعليقات التي من الممكن أن تحتوي على تنمر أو قد تثير مشاكل ثقافية أو قضايا اجتماعية، ويحسبون الوقت التي تقضيه على التطبيق.
  5. التكلفة المنخفضة: ليس فقط القيمة المادية المنخفضة حيث كما ذكرنا أنه سهولة استخدامه حتى على الهواتف القديمة، بل أيضًا نتحدث عن التكلفة الاجتماعية والثقافية المنخفضة للمحتوى؛ فلا يوجد مشكلة في أن تتصرف بطريقة سخيفة قليلًا للحصول على الشهرة.
  6. وهم النجومية والشهرة الفورية: سابقًا كان الوصول إلى النجومية أمرًا صعبًا يتطلب وكالات ومهارة، أما مع تطبيقات الفيديوهات القصيرة فلم يعد ذلك مطلوبًا، فأصبح متاحًا للجميع بميزانية منخفضة وبمجرد “فيديو فيروسي”.
  7. تلفزيون الواقع المصغر: الأغلبية تحب أن ترى حياة الآخرين وتجاربهم، ومعظم المستخدمين يحاولون أن يصبحوا مشاهير، وقد ازدادت شعبيته مع انتشار كورونا حيث وصل عدد مرات التحميل مطلع عام 2020 إلى مليار ونصف، بينما يركز فيسبوك وتويتر على المحتوى النصي، وانستجرام وسناب شات على الصور والقصص، في حين أن تيك توك منح المستخدمون كل ما يريدون من إظهار إبداعاتهم، وتنويع المحتوى، مع استغراق المستخدم وقت أطول؛ فالمستخدم العادي يقضي 50 دقيقة يوميًا.

كل ذلك يؤكد أن التطبيق سيستمر بالصعود وفرض سيطرته على السوق.

الأضرار السلبية وتأثير تيك توك على الجيل الجديد

هل يستدعي الأمر القلق؟ نعم، حسب إحصائية نشرتها قناة NBC NEWS، وصف العديد تطبيق تيك توك بأن أغلبية مستخدميه يقومون بأعمال جريئة واستفزازية في سبيل الشهرة وزيادة عدد المتابعين، وهنا تظهر الأضرار السبيلة للسوشيال ميديا بوضوح، وقالت إحدى المستخدمات إن ابنتها قامت بتحميل التطبيق لنشر مقاطع فيديو وفي غضون دقائق كان لديها 20 متابعًا من الرجال، وقاموا بإبداء تعليقات غير لائقة.

وقد قام موقع Motherboard للتكنولوجيا بالتحقيق، ووجد أن مجتمعًا كبيرًا من البالغين يبحثون عن صور عارية للأطفال على التطبيق، وأرسلوا مقاطع فيديو فاضحة، كما أنه من السهل على الغرباء توجيه رسائل للأطفال، فالبعض يقوم بمقاطع فيديو شائنة في سبيل الحصول على المزيد من الإعجابات لهذا يجب تحذير الأطفال والمراهقين أن المشاركة السلبية قد تؤذي سمعتهم في المستقبل.

مفاهيم مرتبطة بإدمان تيك توك

  • اللحظات المهمة والمقارنة الاجتماعية: مواقع التواصل توثق لحظاتنا الشخصية المهمة حيث نشارك فيها نجاحاتنا ولحظاتنا الجميلة، لكن ذلك سيؤدي إلى انعدام الثقة في أنفسنا لأننا سنقارن لحظاتنا العادية بلحظات الآخرين المهمة، وهذا الخلل هو أحد أهم أسباب إدمان السوشيال ميديا التي تجعل المستخدم يقضي وقتًا طويلًا بحثًا عن المزيد من الإثارة.
  • العملة الإجتماعية: في مواقع التواصل الاجتماعي الإعجاب والتعليق والمشاركة، أصبحت عملة اجتماعية تستخدم لوضع قيمة للشيء، وهنا نصبح نحن المنتج، ونجعل من الآخرين يقيموننا، بالتأكيد قمت ذات مرة بإزالة صورة أو بوست لك لأنها لم تحظى بعدد الإعجابات المطلوب، فهنا ترتبط أهميتنا بآراء الآخرين فيتحول الموضوع إلى هوس.
  • F.O.M.O (الخوف من أن يفوتك شيء): هو قلق اجتماعي جديد نشأ عن الخوف من أن يفوتك تريند أو مناسبة أو خبر، وقد أثبتت الدراسات أن 7 من 10 من الطلاب لا يمكنهم إزالة حساباتهم الشخصية خوفًا من أن يفوتهم شيء.
  • التنمر أو التحرش الإلكتروني: 40% من الناس حول العالم مروا بردود مزعجة، لكن حينما يتكرر الأمر عدة مرات يتحول إلى مشكلة كبيرة، وصرحت الجمعية الكندية للصحة النفسية أن الطلاب الذين يقضون أكثر من ساعتين على وسائل التواصل الاجتماعي يعانون من الاكتئاب والقلق وقد يصل الأمر إلى أفكار انتحارية.
الأضرار السلبية لتيك توك على الجيل الجديد

المشكلة الأعمق في تحول الجماهير إلى صانعي محتوى

إن الإنترنت في عموم الأمر عالم فوضوي يختلف تمامًا عن العالم المادي المنظم الذي يسير وفقًا لضوابط المجتمع وقوانينه، فالجميع (الجماهير التي تشاهد) تتحول إلى صانعي محتوى في هذه التطبيقات، وذلك سيساهم في انخفاض قيمة المحتوى حتى المحتويات العلمية والثقافية وأيضًا سيحط من القيم والأعراف الاجتماعية، ويمكننا ملاحظة أن مشاهير السوشيال ميديا في أغلبهم هم أكثر سطحية ونرجسية ويقدمون فيضانًا من المعلومات التافهة، وسيؤدي ذلك إلى نهاية الموهوب الحقيقي في مقابل أصحاب العقول المتواضعة والعادية.

فالكل يعتقد أنه يعرف وأنه يريد أن يتكلم ليقول ما يعرف، فينتهي الأمر بأن الجميع يتكلم ولا يوجد من يسمع، وصياغة وإنتاج المعرفة سيحددها اهتمام الجماهير وليس مصالح المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية، وسوف يتم استغلال جماهير المراهقين والشباب من قبل المؤسسات الرأسمالية التكنولوجية.

المجتمع المصري والتيك توك

بعد إستفتاء على عينة من المجتمع عن رأيهم في هذا النوع من التطبيقات، وجدنا أن 40% قاموا باستخدام واحد على الأقل من هذه التطبيقات، لذلك ترى الأغلبية أنها لا تقدم أي محتوى وأنها قد تشكل خطرًا على المجتمع، وحينما استفسرنا عن السبب تعددت الآراء بين: “أنها فيديوهات غير لائقة وتتسبب في انحدار الأخلاق وتضيع وقت ومهارات الشباب، وفي سبيل البحث عن الشهرة يقوم العديد بتصرفات شائنة تخالف تعاليمنا وعاداتنا وتقاليدنا”.

هل يخاف المجتمع العربي من كل شيء جديد؟ يتفاوت تأثير التكنولوجيا في المجتمعات بين هزة خفيفة أو زلزال عنيف، وذلك تبعًا إن كان المجتمع منتجًا لهذه التكنولوجيا أو مستوردًا لها، فالمجتمعات المنتجة لا تشعر بخطر كبير، لكن المجتمعات المستوردة تشعر باغتراب كبير وأن ثوابتها قد اهتزت، فتعيش في قلق بسبب دخول الأفكار والعادات الجديدة التي تصطدم تقاليد المجتمع، وتعتقد المجتمعات العربية مع أي شيء جديد على أنه حرب على قيمها وأخلاقها، فحينما ظهرت الطباعة الحديثة في القرن الخامس عشر تخوف العثمانيون منها ومنعوها تمامًا، وأدى ذلك إلى تخلف الأمم العربية عن باقي الأمم.

المجتمع المصري وتأثير تيك توك على القيم

في الختام، تطبيق تيك توك مثله مثل أي تطبيق آخر، له محاسنه ومساوئه، ولقد أثبتت قوته في تغيير شكل الإعلام الاجتماعية واستحوذ على انتباه الجيل الجديد، لكن هذا النجاح يأتي مصحوبًا بمخاطر نفسية واجتماعية عميقة، فإن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية تحويل هذه الأداة القوية من مصدر للاستهلاك السطحي وإهدار الوقت إلى منبر للإبداع والتعلم الهادف، لذلك الاستخدام الواعي والرقابة الأبوية الفعالة هما مفتاح توجيه الشباب نحو الاستفادة القصوى من التكنولوجيا مع حمايتهم من تأثيراتها السلبية على المدى الطويل.

كتبت: وئام مصطفى.

الأسئلة الشائعة حول تيك توك وتأثيره

ما هي الأضرار السلبية لتطبيق تيك توك على المراهقين؟

تتضمن الأضرار السلبية لتيك توك على المراهقين: زيادة خطر التعرض للتنمر والمحتوى غير اللائق، زيادة القلق والاكتئاب نتيجة المقارنات الاجتماعية، وتدهور الانتباه، وهوس الشهرة الذي يدفعهم للقيام بسلوكيات خطيرة أو مسيئة.

كيف أقي طفلي من المحتوى غير اللائق على تيك توك؟

يمكنكِ استخدام خاصية “الاقتران العائلي” التي يتيحها التطبيق للتحكم في الإعدادات، وتفعيل وضع (تقييد المحتوى)، ووضع حدود زمنية لاستخدام التطبيق، والأهم هو التواصل المستمر مع الطفل وتوعيته بمخاطر المحتوى غير اللائق والتنمر.

ما هي حيل تيك توك التي جعلته يتفوق على فيسبوك وإنستجرام؟

من أهم الحيل هي التركيز على الفيديوهات القصيرة جدًا (15 ثانية)، وتسهيل عملية تحرير وإنتاج المحتوى، والاعتماد على خوارزميات تحليل دقيقة للجمهور لتقديم محتوى شديد التخصيص، بالإضافة إلى دعم التحديات الفيروسية التي تشجع على المشاركة الواسعة.

كم عدد مستخدمي تيك توك حول العالم وما هي الفئة العمرية الأكثر استخدامًا؟

وصل عدد مرات تحميل تيك توك إلى مليار ونصف، متفوقًا بذلك على منافسيه، وتشير الإحصائيات إلى أن الفئة العمرية الأكثر استخدامًا هي من 16 إلى 24 سنة، حيث تبلغ نسبتهم حوالي 60% من المستخدمين.