يعد بدر الدين الجمالي واحدًا من أقوى الشخصيات التي ظهرت في تاريخ الدولة الفاطمية، فقد جاء في لحظة تاريخية كانت فيها مصر على حافة الانهيار بسبب الفوضى السياسية والمجاعة المعروفة بالشدة المستنصرية، ومع تفكك سلطة الخليفة المستنصر بالله وتصارع الجيوش والقبائل على الحكم، اختلت أوضاع البلاد وعم الخوف البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وفي هذا السياق الصعب ظهر بدر الدين الجمالي كقائد حازم وقادر على إعادة النظام واستعادة الاستقرار، ليصبح رمزًا لمرحلة مفصلية أعادت لمصر قوتها ومكانتها من جديد، وفي هذا المقال نتعرف بشكل مفصل على سيرته ودوره في إنقاذ الخلافة الفاطمية من الانهيار.

من هو بدر الدين الجمالي؟

هو السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين أبو النجم بدر المستنصري وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله. كان أرمني الأصل مملوكًا لأمير من الشام يدعى جمال الدولة بن عمار، وقد أظهر قدرة فائقة في إدارة المعارك والحملات، مما جعله يرتقي في المناصب حتى ولي إمارة دمشق ثم ولاية عكا قبل استدعائه إلى مصر.

وقد يذكرنا ظهور بدر الدين الجمالي في مثل هذه اللحظات الحاسمة بظهور الحجاج بن يوسف في الدولة الأموية، حين ظهر كقائد حازم استطاع أن يفرض الاستقرار بعد اضطرابات طويلة.

من هو بدر الدين الجمالي؟

الشدة المستنصرية أسوأ أزمة ضربت مصر

تعود جذور هذه الأزمة إلى ضعف إدارة الدولة بسبب تولي المستنصر بالله الحكم طفلًا؛ مما جعل والدته تتحكم في التعيينات والعزل، ففقدت الدولة استقرارها وتصارعت الجيوش فيما بينها، وبرزت الفوضى:

  • الجند السودانيون يعيثون فسادًا في الصعيد.
  • قبائل لواتة والأعراب ينهبون الوجه البحري.
  • الأتراك يستولون على إدارة الدولة.
  • انقطاع الإمدادات عن القاهرة والفسطاط.

ثم جاءت كارثة انخفاض منسوب النيل لتضاعف الأزمة، واستمرت المجاعة سبع سنوات كاملة حتى أكل الناس الدواب والميتة وبيع رغيف الخبز بخمسين دينارًا.

الشدة المستنصرية أسوأ أزمة ضربت مصر

لماذا كان استدعاء بدر الدين الجمالي الحل الأخير؟

لم يجد الخليفة وسيلة لإنقاذ مصر سوى الاستعانة بقائد يمتلك:

  1. قوة عسكرية مستقلة.
  2. خبرة سياسية صلبة.
  3. قدرة على فرض السيطرة.

فأرسل إلى بدر الدين الجمالي في عكا، وطلب منه القدوم بجيشه الخاص، وليس بجنود الدولة، وبمجرد وصوله:

  • قضى على رؤوس الفتنة.
  • أعاد هيبة الحكم.
  • نشر الأمن وضبط الطرق.
  • أعاد تنظيم الجيش والإدارة.

سياسة الإصلاح وإحياء الاقتصاد في عهد بدر الدين الجمالي

قام بدر الدين بإصلاحات واسعة، وهي:

  1. تشجيع الفلاحين ورفع الضرائب عنهم.
  2. إصلاح الترع والجسور الزراعية.
  3. استعادة دورة الإنتاج الزراعي.
  4. عودة الأسعار إلى طبيعتها.
  5. تنشيط التجارة الداخلية والخارجية.

وبالمقارنة التاريخية مع قادة آخرين أعادوا تشكيل موازين القوة في العالم الإسلامي، يبرز دور أبو مسلم الخراساني الذي كان حجر الأساس في قيام الدولة العباسية، حيث استطاع أن يوحّد الصفوف ويغير مسار التاريخ السياسي تمامًا، ومع استقرار الأمن عادت الأسواق تعمل، وبدأت مصر تستعيد مكانتها التجارية.

سياسة الإصلاح وإحياء الاقتصاد في عهد بدر الدين الجمالي

النشاط العمراني وإعادة بناء القاهرة

كان من أهم أعمال بدر الدين الجمالي:

  • إعادة بناء أسوار القاهرة.
  • بناء باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة.
  • تشييد مسجد الجيوش بالمقطم.
  • بناء جامع العطارين في الإسكندرية.

وتعد هذه المنشآت من أهم ما بقي من آثار الفاطميين حتى اليوم.

بدر الدين الجمالي وتحول السلطة

مع نجاحه في إعادة النظام، أصبح الجمالي الحاكم الفعلي لمصر دون منازع، رغم بقاء المستنصر بالله خليفة، وبهذا بدأ عصر الوزراء أصحاب السيوف في الدولة الفاطمية، واستمرت نهضته حتى وفاته سنة 487 هـ، حيث عهد بالوزارة لابنه الأفضل شاهنشاه.

إن تجربة بدر الدين الجمالي تُعد نموذجًا لقائد ظهر في لحظة حاسمة من التاريخ، فأنقذ دولة كانت على وشك السقوط، فقد جمع بين الحزم العسكري والقدرة الإدارية و البصيرة السياسية، فحول مصر من مجاعة وفوضى إلى استقرار وازدهار، وبقي اسمه شاهدًا على مرحلة مفصلية في التاريخ الإسلامي، تؤكد أن وجود القائد القوي قد يكون الفرق بين بقاء الدولة أو انهيارها.

كتب: مصطفى خالد.