تُعدّ التغذية الراجعة (Feedback) من الركائز الأساسية في عملية التعلم والتعليم، حيث تُمثل أداة حيوية للتوجيه والتحسين في السياق التعليمي، يشير مفهومها إلى المعلومات التي يتلقاها المتعلم حول أدائه من أجل تعزيز التعلم وتعديل السلوك الأكاديمي أو المهاري، وتُظهر الأبحاث التربوية أنها تؤدي دورًا جوهريًا في دعم التحصيل الدراسي، وتطوير مهارات التفكير، وتحفيز الدافعية الذاتية لدى المتعلمين.
مفهوم التغذية الراجعة
يعرف (Hattie & Timperley) 2007 التغذية الراجعة بأنها (المعلومة المقدمة حول جوانب الأداء المتعلقة بمهمة تعلم محددة والتي تهدف إلى سد الفجوة بين الأداء الحالي والأداء المنشود)، بعبارة أخرى، هي عملية تواصل بين المعلم والمتعلم، أو حتى بين المتعلمين أنفسهم، تهدف إلى تعزيز التعلم من خلال تحديد ما تم إتقانه، وما ينبغي تحسينه، وكيفية القيام بذلك.

اقرأ أيضًا: محو التعلم.. إعادة تشكيل العقل وتحريره
أنواع التغذية الراجعة
تتصنف التغذية الراجعة في العملية التعليمية إلى أنواع متعددة، وفقًا لمعايير مختلفة مثل التوقيت، والمصدر، والمحتوى، والطبيعة والشكل.
من حيث التوقيت:
- تغذية راجعة فورية (Immediate Feedback): تُقدَّم مباشرة بعد أداء المهمة، وتُعدّ فعالة بشكل خاص في حالات التعلم الإجرائي أو عند تعلم مفاهيم جديدة.
- تغذية راجعة مؤجلة (Delayed Feedback): تُعطى بعد فترة من الأداء، وقد تكون أكثر فاعلية في تعزيز التعلم العميق والمراجعة الذاتية.
من حيث المصدر:
- تغذية راجعة من المعلم: الشكل الأكثر انتشارًا، حيث يقدّم المعلم تعليقات موجهة تهدف لتحسين أداء المتعلم.
- تغذية راجعة ذاتية (Self-feedback): تحدث عندما يُقيّم المتعلم نفسه ويعكس فهمه لأدائه.
- تغذية راجعة من الأقران (Peer Feedback): يُقدِّم المتعلمون بعضهم لبعض تعليقات على المهام، وهي تساهم في تعزيز التفكير النقدي وتحمل المسؤولية.
من حيث المحتوى:
- تغذية راجعة تصحيحية (Corrective Feedback): تُركّز على تصحيح الأخطاء وتوضيح المفاهيم.
- تغذية راجعة بنّاءة (Constructive Feedback): توجّه المتعلم نحو تحسين الأداء وتشجعه على التفكير في بدائل أو حلول.
من حيث الطبيعة:
- تغذية راجعة إيجابية: تعزز الأداء وتدعم الثقة بالنفس.
- تغذية راجعة سلبية: تُظهر الأخطاء دون تقديم بدائل، وقد تؤدي إلى الإحباط إذا لم تُقدَّم بطريقة داعمة.
من حيث الشكل:
- شفهية.
- مكتوبة.
- سمعية ـ مرئية.
وقد كشفت الدراسات عن تفوق الوسائط المتعددة في بعض الحالات، خاصةً في السياقات التعليمية التفاعلية والواقعية المعززة.
اقرأ أيضًا: تعليم اللغات الاجنبية للأطفال..تعرف على أهم 5 فوائد للتعليم
شروط التغذية الراجعة الفعالة
- أن تُقدَّم في الوقت المناسب لأنه أبرز عوامل الجودة في التغذية الراجعة.
- أن تكون مناسبة لمستوى المتعلم المعرفي والانفعالي.
- يجب أن تكون كافية وتفصيلية، وملائمة للهدف الزمني والأدائي.
- أن تُركّز على المهمة (الأداء) وليس على شخصية المتعلم.
- يُفضّل دمج الشفوي والمكتوب لتعزيز الفهم والشمولية.
- يجب توفير مزيج من التعزيز الإيجابي والتصحيح بمعدّل يُفضل أن يكون 3:1 لصالح التعليقات الإيجابية لتقبلها وتنفيذها وتحقيق الهدف المرجو.
- تعزيز التفاعل المرحلي (dialogic feedback): إشراك الطلاب في مناقشة التغذية الراجعة لتجاوز رفضها.
- تنمية كفاءة التغذية الراجعة لدى المتعلمين: تعليمهم كيفية فهمها والاستفادة منها (Feedback literacy).

أثر التغذية الراجعة على سلوك المتعلم
تشير الدراسات إلى أن التغذية الراجعة تؤثر بشكل مباشر على سلوك المتعلم الأكاديمي والانفعالي والاجتماعي، ومن بين أبرز النتائج:
- تحسين الأداء الأكاديمي: إن التغذية الراجعة المفصّلة تؤدي إلى تحسينات ملحوظة في جودة الأداء، خصوصًا عندما تتضمن توجيهات واضحة حول كيفية التحسين.
- تعزيز الدافعية الذاتية: إن التغذية الراجعة التي تدعم الشعور بالكفاءة والاستقلالية تُعزز من دافعية المتعلم واستمراره في التعلم.
- تنمية التفكير التأملي: التغذية الراجعة البنّاءة تُسهم في دفع المتعلم للتفكير في أسباب نجاحه أو فشله، مما يُعزز المهارات التأملية واتخاذ القرار.
- التفاعل الإيجابي داخل الصف: التغذية الراجعة التفاعلية خاصة من الأقران، تُعزز التواصل والتعاون بين الطلبة، وتشجعهم على بناء بيئة تعلم داعمة.

اقرأ أيضًا: هرم بلوم المعرفي.. المفتاح السري لإشعال الإبداع في التعليم
تُعدّ التغذية الراجعة ركيزة أساسية في العملية التعليمية لتعزيز التعلم الفعّال، من خلال التوازن بين التعزيز الإيجابي والتصحيحي، الانتظام في التقديم، تنويع الأشكال، وتعزيز كفاءة المتلقِّين، ولا تقتصر فائدتها على التصحيح والتحسين بل تمتد لتشمل بناء شخصية المتعلم، وتطوير مهاراته المعرفية والاجتماعية، ويعتمد أثرها على نوعها، وطريقة تقديمها، ومدى استجابة المتعلم لها، لذا، فإن استثمار التغذية الراجعة بشكل فعال يتطلب وعيًا تربويًا من المعلم، وثقافة تعليمية داعمة داخل الصف.
كتبت: أسماء خميس.
المراجع:
- Al-Baqawi, R. 2020: معايير التغذية الراجعة الفعّالة في التعليم الإلكتروني، المجلة التربوية، جامعة الملك سعود.
- Manhajiyat. 2022: مفهوم تربوي: التغذية الراجعة Feedback.
- New-Educ. 2023: التغذية الراجعة المبرمجة وأثرها في تحسين الأداء.
- MDPI – Education Sciences. 2020. Feedback Timeliness in Higher Education. Education Sciences, 10(3), 60.
- Frontiers in Education. 2025.Why do Students Resist Feedback? Exploring Reception and Engagement.
- Frontiers in Education. 2025.Oral vs Written Feedback: Enhancing Effectiveness in Higher Education.
- Arxiv. 2025. AI in Formative Assessment: Practical Guide to Using LLMs for Feedback.
- Arxiv. 2025. Effects of AI Feedback Use Modes on High School Physics Students.
- Arxiv. 2025.Perceived Trust in AI vs Teacher Feedback.
- Arxiv. 2025 .Comparing LLM Feedback with Human Teachers: A Contextual Evaluation.
- SpringerOpen – International Journal of Educational Technology. 2025.Feedback Literacy and AI: Students’ Capacity to Engage with Feedback.
- Journals.ekb.eg 2023، أثر التغذية الراجعة بالوسائط المتعددة في بيئات الواقع المعزز على التحصيل والدافعية.
- SAGE Journals. 2024 Building a Culture of Feedback in Classrooms: Practical Insights for Teachers.

