السؤال في إحدى الفصول الدراسية في المرحلة الإعدادية وخاصة في مادة العلوم.
المعلم: المادة تنقسم إلى ثلاث حالات فيزيائية وهي الصلبة والسائلة والغازية، وتتحول المادة من الحالة الصلبة إلى السائلة عن طريق الحرارة، وتتحول من الحالة السائلة إلى الصلبة عن طريق التبريد.
أثناء شرح المعلم للدرس رفع أحد الطلاب يده فسمح له المعلم بالحديث.
الطالب: “طب إزاي البيض لما بنحطة في مية سخنة بيبقا صلب ولما نحطة في التلاجة بيبقا سائل؟”
المعلم (بسخرية ): “بيض إيه اللي أنت بتتكلم عنه، ركز في البيض اللي في السندوتشات، الفسحة قربت.
سخر المعلم وضحك الزملاء و ظل الطالب وحيدا يفكر، ما العيب هل أخطأت ؟!
ما الجريمة التي ارتكبها الطالب عندما طمع في المعرفة؟ ، وما العيب في السؤال عما جهله؟ ، إذا استمر الصَدُّ كثيرا سيكُف عن السؤال ويذهب في ثُباتٍ طويل وعميق.
إن السؤال جُزء أصيل في تكوين الإنسان وفِطرته، انظر إلى الطفل كيف يفكك لعبته إلى أجزاء ثم يحاول تجميعها مرة أخرى، فالشغف بالعلم والمعرفة مزروع في صلب الإنسان.
إنها الكيفية التي سألها سيدنا إبراهيم -عليه السلام- أبو الأنبياء لربه، كما جاء في سورة البقرة قال تعالى : ” وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تُحي الموتى”.
فلما وضحت الإجابة زال الشك، وحَلت الراحة التي تُعين على المواصلة والانتقال إلى مرحلة أخرى من الحياة، ولم تقتصر المعرفة على الدين فقط أو الدنيا فقط.
ف (كيف ولماذا وأين ومن ومتى وأخواتهم…. ) هم أدوات العقل الفطرية، فلا يجب تجاهلها أو قمعها إطلاقًا. حيث كان الأمر العظيم (اسألوا أهل الذكرِ إن كنتم لا تَعلمون)، وهذا يمثل السؤال والإجابة في آن واحد.
نَشرت مجلة الصحة النفسية عام 2005م دراسة استغرقت عامين ل 1000 مشاركٍ، وبينت أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أعلى من الشغف وحب الاستكشاف والسؤال أقل عرضة للإصابة بأمراض معينة، مثل: السكرى وارتفاع ضغط الدم …
وأكدت ذلك دراسة أُجريت على 1795 طفلٍ في الثالثة من عمرهم، فوجدت أن الأطفال الشغوفين كثيري السؤال انتهى بهم الأمر في عمر 11 سنة بأنهم يتمتعوا بقدرة على القراءة والتفكير والتحليل أعلى وبمعدل 12 نقطة في اختبار معدل الذكاء عن غيرهم، وهذا فرق كبير.
وفي دراسة لمجلة “Gallup” العالمية الشهيرة للأبحاث شاركت 130 ألف شخصٍ من 130 دولةٍ من العالم، وجدت أن أحد عوامل السعادة بالنسبة إليهم أنهم تعلموا شيئًا جديدًا البارحة.
يطرح الطفل في مرحلة ما قبل الدراسة الكثير من الأسئلة. وفي لحظة ما وبفضل التعليم التقليدي يقل حماسنا إلى أن يتوقف عن طرح السؤال والبحث و الاستفسار بل يتوقف حماسنا أيضًا للحياة.
– ما الذي يحدث في المدرسة؟
التعليم التقليدي يكافىء أبنائنا على الإجابة عن الأسئلة فقط لا على طرحها وغالبا ما تكون الأجوبة المطلوبة وفقا لنماذج صارمة لهذه الأجوبة؛ بل ويُعاقب أحيانا على كَثرة السؤال، وهكذا يسير التعليم بمجتمعاتنا بخطواتٍ ثابتةٍ نحو الوراء؛ لإنه ببساطة يخلف ورائه أزمة ثقة في قدرتنا على استكشاف الحياة.
ملايين الشباب يتخرجون كل عام من مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا في كافة التخصصات العلمية، ولكننا بالرغم من ذلك لم نستطع أن نواكب السير أو أن ننهض ونلحق بقطار الحضارات.
عندما قمع السؤال وحجم العقل وصلنا لبعض الكلمات، مثل: “السؤال بدعة” و فهمنا معنى آية من القرآن الكريم فهمًا غير صحيح حين قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياءٍ إن تُبدَ لكم تسُؤكم” من سورة المائدة آية:101؛ لذلك انحسرت حضارتنا وانحضرت إلى مصافٍ المتخلفين في مؤخرة الركب.
أين نحن من (الفاروق عمر) الذي جعل كثرة السؤال معيارًا لاختيار مستشاريه، حيث قرب إليه (عبدالله بن عباس) دون غيره؛ لأنه وصفه بأنه ذا (لسان سؤول وقلب عقول).
لا سبيل لإعادة هذا العقل الذي بنى الحضارات إلا عن طريق السؤال، وهو الأداة الرئيسية للعقل.
إن جذور كل أنواع المعرفة هي الشغف والفضول وحب الاستطلاع، وليس هناك شيء يحرر الإنسان أكثر من قدرته على تحدي الوضع الراهن الجامد والإيمان أنه من خلال البحث والتحليل والاستكشاف والفحص والسؤال يمكن أن نصل إلى عالم أفضل.
إن قمع السؤال هو قمع لعقل الإنسان وقتل لروحه.
اقرأ أيضًا: كيفية تنمية مهارات الأطفال الاجتماعية بـ 6 طرق بسيطة
اقرأ أيضًا: الصحة النفسية للأطفال..وأكثر المشاكل انتشارًا 2022