نناقش في هذا المقال مفهوم التركيز وهو قدرتك على الانتباه لشيء معين، ولذلك يعد عاملا أساسيا لبناء مستقبلنا، وتنمية مهاراتك فهي غاية مهمة لك في هذا الوقت؛ كي تتميز بين غيرك وتستطيع العمل بسهولة، فالتركيز عكس التشتيت، فهناك نوعان أساسيان من عوامل التشتيت، عوامل مُدركة بالحواس وأخرى عاطفية.
التركيز
النوع الأول: العوامل المُدركة بالحواس:
فأمرها يسير، فعندما تقرأ هذه الكلمات لن تصِرف انتباهك عن هوامش هذا النص، أو فلتتحسس بلسانك لبُرهة الجزء العلوي من الحنك وهذا منبه.
واحد من بين موجة لا نهاية لها من المنبهات المستقبلة، والذي يقوم عقلك باستخلاصه من خلال الإزالة المستمرة لبقية الأصوات والأشكال والألوان، وما يتم تذوقه، والروائح، وما يلمس بالجلد، وغيرها من المنبهات التي تُمثل خلفية لذلك المنبه.
التركيز
النوع الثاني: العوامل العاطفية:
يعُد أكثر إثارة للخوف فهو عبارة عن إشارات مُحملة بالعواطف، وبينما تجد من اليسير عليك التركيز للرد على رسائلك الإلكترونية في ظل الضوضاء التي تجدها في المقهى المحلي، فإنك إذا سمعت مصادفة شخصا يذكر اسمك (وهذا عامل إثارة عاطفية قوي) فمن المستحيل عليك تقريباً أن تُحدد الصوت الذي نقل اسمك؛ لأن انتباهك يُثار بصورة لا إرادية لسماع ما قيل عنك، وسوف تنسى تلك الرسالة الإلكترونية.
ورغم هذا فأكبر التحديات التي تواجه أشد الناس تركيزاً تنبع من الصخب العاطفي الموجود فى حياتُنا، وذلك كأن تتلقى مؤخراً صدمة من علاقة حميمة تستمر في تعكير صفو أفكارك، ويحدث التطفل على هذه الأفكار لسبب جيد، ألا وهو دفعِنا إلى التفكير فيما يُمكِننا فعله حيال ما يُزعجنا والشعرة التي تفصل بين الاسترجاع العقيم لما حدث، وبين التأمل المُثمر تُكمِن فيما إذا كُنا قادرين على الإتيان بحل أو فكرة مُؤقتة ثم التخلي عن تلك الأفكار المُزعجة، أو على النقيض من ذلك الاستمرار في ترك مخاوفنا لتُستبد بنا.
اقرأ ايضًا: كيف تقضي على الخوف؟
وكلما تشتت تركيزنا ساء أداؤنا، وعلى سبيل المثال هناك صلة بين اختبار مدى استسلام الرياضيين الجامعيين للقلق وتشتيت تركيزهم، وبين مدى براعتهم أو سوء أداؤهم في الموسم القادم.
والقدرة على الثبات على هدف واحد وتجاهل كل شيء آخر، توجد في المناطق الأمامية من المخ، وتقوم دائرة كهربائية مُتخصصة في هذه المنطقة بتعزيز قوة الإشارات المستقبلة التي نُريد التركيز عليها كتلك الرسالة الإلكترونية، وإخماد تلك الإشارات التي نختار تجاهلها كأولئك الأشخاص الذين يثرثرون في المنضدة المجاورة.
ونظراً لأن التركيز يتطلب منا تجاهل عوامل التشتيت العاطفية، فإن منع الإشارات العصبية الخاصة بالانتباه الانتقائي يشمل هذه العاطفة المُثبِطة، وهذا يعني أن من لديهم تركيز أفضل مُحصنون ضد هذه الاضطرابات العاطفية، وأنهم أكثر قُدرة على البقاء هادئين في أوقات الأزمات، والمحافظة على توازن سفينتهم رغم الأمواج العاطفية المتلاطمة في الحياة.
التركيز
الآثار الناتجة عن عدم التركيز
إن الفشل في التركيز على شيء واحد والانتقال إلى غيره من شأنه أن يجعل العقل غارقا في دوامات القلق المزمن، وهذا يعني من الناحية الطبية أن تُصبح عاجزاً ويائسا ومشفقا على ذاتك، وغارقا في الاكتئاب أو أن تُصاب بهلع وتُبتلى بعِلل ناتجة عن القلق أو أن تُصدر أفكاراً وأفعالاً غريبة لا حصر لها، والقدرة على قطع تيار الانتباه عن شيء ما وتوصيله بشيء آخر يعد ضروريا لسعادتنا.
وكلما زادت قوة انتباهنا الانتقائي، زادت قُدرتنا على البقاء مُنهمكين بأداء الأمر الذي اخترناه، كمشهد مؤثر في أحد الأفلام السينمائية أو قصيدة رائعة مُبهجة، وشدة التركيز تُتيح للآخرين الانهماك في مشاهدة ما يُعرض في موقع اليوتيوب أو أداء واجباتهم المنزلية لدرجة أنهم لا يكونون واعين بأي ضجيج قريب منهم، أو بدعوة والديهم لهم إلى تناول العشاء.
ويمكنك اكتشاف ذوي التركيز في حفل ما، فهم يكونون قادرين على الانهماك فى المحادثات، وتظل أعينهم عالقة بالشخص الآخر؛ لأنهم يظلون مُنشغلين تماماً بكلامه حتى لو كان من يتحدث بجوارهم يهتف لأعضاء الفرقة الموسيقية وعلى النقيض لذلك، يكون عديمُ التركيز مُشتتين باستمرار فأعينهم تنجذب إلى كل ما قد يجذبُها ويكون انتباهم مُنجرفاً.
وأخيرا إن التركيز مهم لأداء أعمالنا اليومية والعملية، فعندما نركز على أهدافنا نستطيع النجاح بخطوات متميزة، ولذلك فلابد من الابتعاد عن كل ما يشتتنا، فالتركيز هو الدافع الخفي للامتياز.
اقرأ أيضًا: أسباب الثبات الانفعالى وأهميته
