-لماذا تركتها تمضي دون أن تضرب لك موعداً أخر؟ ستترك الصدفة والأقدار تأتي بها إليك كما اليوم؟ هل تَركَت فيك شئ من فتنتها تتذكرها بها وتشتهي اللقاء القادم، أم سلبت عقلك لتصبح شريد هواها؟ إذا فلنبدأ من حيث المنتهى، وصار من بعده كل شئ.

– أَعلم يا شَهْوَانُ كم هي شهية المذاق وأن لذتها مستمرة لأمد ليس بطويل ولكن في قِصَرهُ أيضاً لذة، وهي لذة الإشتياق للمزيد منها، تأتيك أول مرة خانعة خاضعة لك تستبيح خدرك وتبهر حواسك، تتمم مهمتها بتلك القضمة الأولى فتشعر بنشوة الانتصار ولذة الحياة في الشهوة والرغبة الجامحة حتى تنتهي منها، ثم؟ ثم تبدأ المعارك.

– الشهوة، تلك المرة تبحث أنت عنها في كل مكان، لتجد نفسك تشتهي أكثر من واحدة، وتريد أن تجرب أكثر من مذاق، فتبدأ هي إرسال رفيقاتها على استحياء، حتى تتمكن منك وتجري في دماءك لذتها فتطلب المزيد، فترسل الأخرى وهكذا حتى تصبح أنت عبد لتلك التفاحة ابنة الشجرة المُحرمة، التفاحة التي أودت بحياة كامل البشر بجانب جذور شجرتها، فيُخلد ذكراها وهي الطائعة لأوامر النفس وشيطانها.

– الشهوة تكمن هنا، تكمن في كل تفاحة تقضمها، وكلها طوع يمينك وإن لم تنالها تخترق السبل الحرام للأتيان بها، تفاحة تكمن بداخلها شهوة السُلطة والركض وراء النفوذ وعشق عروش الكبار الذي أهدر أسفله كثيراً من دماء الشعوب للبقاء به وعليه طويلاً، وتفاحة أخرى تحمل المال في عصيرها، تسقي منه روح جائعة لا تشبع، لا تقنع، ولا ترضى.

– أما تلك الكبيرة فهي الشهوة الملعونة، تقام فيها ليالي حافله تحت ستار الليل وعلى فراش رخيص يتمتع كلاكما بما يمنحه الآخر له، ثم يبدأ الجنون من القمة حتى السفح رائقين في وادي الرذيلة دماء دين وعادات وقيم أصبح لا معني لها بعد انتهاك حرمتها، أما عن الشهوة في مطلقها هي الرغبة في كل شئ حتى وإن كان خبز جاف بقليل من ملح وزيت.

– الشهوة ليست فقط في نفوذ أو طموح أو مال أو حتى جنس، بل الشهوة هي كل ماترغبه نفسك حتى لو كان أقل القليل، فأين أنت من كبحها وإحكام لجامها بالحق؟ تركتها تعثو بنفسك وروحك فسادا وتشيع الفاحشة والأنانية والحقد في ارجاء قلبك، الشهوة ليست شيطان رچيم نستعيد بالله منه فينجلي، بل هي نفس غير راضيه بما قُسم لها فلن تشبع ابداً لن تغلق عليها باب الحمد وتطلب من الله زيادة رزق حلال.

– ينظر البعض احياناً لـ الشهوة على إنها حق مشروع، وأن من حقهم كبشر الأستمتاع بكل شي وأن ماحرمه الله ليس إلا لفقرهم، أما أصحاب المال فلهم كل المتع، وكيف لا وهم يرون السارقين والظالمين يزدادون تجبراً وثراءً ولا يقف أمامهم شئ، نسوا أن حتى تطلعهم لما لهم شهوة تأتي من النفس الأمارة بالسوء.

– بعد ذلك يا شَهْوَانُ يأتي جحيم ربك في دنياك وآخرتك، تركتك هي ومضت، لن يأتيك بها القدر أو الصدفة فهي تختبئ بداخلك تنتظر لهثك ورائها في البحث عنها، بصمتها لازالت عالقة بروحك ومذاقها أنعش أوردتك فكنت لها كالمدمن الذي أسري في دماءه مخدر قوي وفجأة أنتهى ولم يجد مايسد رمق شهوته، تركتك كالمجنون تبحث عن سراب أخذك إلى نهاية تؤدي إلى بداية مدمرة.

– أكلت التفاحة؟ يالوحشة رفقتها.