”
كتبة : فاطمة عمر
منذ بداية أزمة فيروس كورونا وشعار المرحلة “خليك فى بيتك” إلا أن ما حدث فى الأسكندرية ليلة أمس من مظاهرات مناهضة لفيروس “كورونا” واللجوء إلى الله بمثل هذه التجمعات والطريقة أمر يحتاج إلى تحليل نفسي، لأنه خارج نطاق المنطق والعقل.
بأي عقل وإدراك يخرج أُناس بالليل يكبرون ويجولون فى الشوارع بدعوى التضرع إلى الله لرفع البلاء فى تجمعات قد تكون سببًا مباشرًا للإنتقال العدوى ومزيد من الانتشار لهذا الوباء؟!
أين أصحاب العقول والرشد؟!
ما حدث بالأمس يذكرنى بما حدث فى دولة ماليزيا بالأمس القريب، فقد كانت ماليزيا على وشك السيطرة على انتشار هذا الفيروس عندها وأعلنت رسمياً شفاء كافة الحالات، ولكن ظهر بعض الاشخاص يدعون إلى التكبير والتهليل – مثلما حدث أمس في مسيرات الاسكندرية- فقامت جماعة “التبليغ والدعوة” بماليزيا بالتجمع فى مسجد “سري بيتالينغ” بكوالالمبور، وهو واحد من أكبر مساجد ماليزيا فى إجتماعهم السنوي رغم التحذيرات الطبية، وقاموا بالأعتكاف فى المسجد من يوم 27 فبراير إلى أول مارس 2020، وكان عددهم يزيد عن 16 ألف شخص من ماليزيا وتايلاند والجزيرة العربية والهند والفلبين.
من هنا بدأت الكارثة (توسونامي كورونا )فى دول جنوب شرق آسيا، وبعد أن كانت ماليزيا تسجل عدد إصابات (0) بفيروس كورونا، سجلت فى يوم واحد ما يزيد عن 800 حالة وذكرت بعض التقارير 1200 كان ثلثيهم مخالطين لجماعة البليغ والدعوة التى أعتكفت فى المسجد، والسلطات فى ماليزيا الآن تتبع حوالى5 آلاف شخص كانوا مشاركين فى هذا الحدث يرجح إصابتهم، وتزداد الأعداد يوماً بعد يوم حتى دخلت ماليزيا دائرة البؤرة الموبوءة بعد أن كانت قد أوشكت القضاء على الفيروس.
وبنفس الغباء .. سارت نفس الجماعة “التبليغ والدعوة” في إندونيسيا إلى ذات مصير ماليزيا .. ففى يوم 18 مارس 2020 نظمت هذه الجماعة تجمع ديني مماثل فى مدينة “جوا” بإقليم جنوب سولاويزي الإندونيسي، رغم تحذيرات السلطات هناك، وعندما سألوا المنظم عن الخوف من كورونا كان رده: “خوفنا من الله أكبر”، و”متع الدنيا قليلة مقارنة بالآخرة”.
فى الحقيقة هذه العقلية المريضة ليست بالجديدة .. تلك العقلية التى غاب عنها حقيقة الشريعة الإسلامية ومقاصدها العليا، واختزلت الدين فى مظاهر خالية من الحكمة ،و هى إلقاء بالنفس إلى التهلكة.
ويحكي الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين فى الحديث وشارح صحيح البخارى في كتابه: “بذل الماعون فى فضل الطاعون” عن موقف شبيه بما حدث ليلة أمس بالإسكندرية، عندما انتشر الطاعون الأسود فى دمشق والقاهرة، وقرر مجموعة من الناس الخروج والتكبير والتهليل فى تجمعات فى الصحراء حتى يرفع الله البلاء، فكانوا سببًا في زيادة البلاء والوباء.
يقول الحافظ ابن حجر عن ذلك: (فليس الدعاء برفع الوباء ممنوعًا ولا مصادمًا للمقدور من حيث هو أصلاً، وأما الاجتماع له -كما فى الاستسقاء- فبدعةٌ حدثت في الطاعون الكبير سنة (٧٤٩ هجريًا) بدمشق، فقرأت فى “جزء المنبجي” بعد إنكاره فى جمع الناس فى موضع، فصاروا يدعون ويصرخون صراخًا عاليًا وذلك فى سنة (٧٦٤ هجريًا) لما وقع الطاعون بدمشق؛ فذكر أن ذلك حدث سنة (٧٤٩ هجريًا)، وخرج الناس إلى الصحراء، ومعظم أكابر البلد، فدعوا واستغاثوا، فعَظُم الطاعون بعد ذلك، وكثر! وكان قبل دعائهم أخف).
ويتابع الإمام ابن حجر: (ووقع هذا في زماننا حين وقع أوَّلُ الطاعون بالقاهرة فى ٢٧ من شهر ربيع الآخَر سنة ٨٣٣ هجريًا، فكان عددُ من يموتُ بها دون الأربعين، فخرجوا إلى الصحراء فى ٤ جمادى الأولى بعد أن نودى فيهم بصيام ثلاثة أيامٍ، واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعةً ثم رجعوا، فما انسلخ الشهر حتى صار عددُ من يموت في كل يومٍ بالقاهرة فوق الألف ثم تزايد!).
ويعلق الإمام ابن حجر العسقلاني على هذه الأفعال بقوله: (أنه لو كان مشروعًا فِعلُهم ما خفى على السلف ثم على فقهاء الأمصار وأتباعِهم فى القرون الماضية، فلمْ يبلغْنا فى ذلك خبرٌ ولا أثرٌ عن المحدِّثين، ولا فرعٌ مسطورٌ عن أحدٍ من الفقهاء .. فالتزام قول الأمراء والعلماء أوجب وانفع).