“تاريخ الفنون القتالية في السينما”
كتب/ چوزيف بشارة
إن كنت رجًلا فعلى الأرجح قد مارست إحدى أنواع الفنون القتالية في النادي، أو كنشاط مدرسي، سواء كنت طفًلا أو شاًبا.
وإن كنتِ امرأه، فربما مارستِ الفنون القتالية أيضاً لتعلم الدفاع عن النفس، أو حتى من باب اللياقة ، وبغض النظر عن الجنس، أو العمر، أو الحالة الاجتماعية فجميعنا قد شاهد أفلاًما محورها الفنون القتالية وأعجبنا بأبطالهم الأقوياء الذين يستطيعون مجابهة عدد من الخصوم بدون خوف، وينتصرون دفاعاً عن الحق و الضعفاء.
والحقيقة أن انتشار الفنون القتالية في العالم كافة، والتي معظمها نشئ في آسيا، يعود فضله لانتشار أفلام كان أبطالها من خبراء الفنون القتالية الحقيقيين، وكانت عاد ًة ما تركز علي الفوائد الأخلاقية والنفسيه بالاضافة للفوائد الجسدية لتلك الرياضات.
كما حاز أبطال تلك الأفلام على إعجاب الجمهور إما بسبب الكاريزما الشخصية لديهم أو قدرتهم على الإضحاك فضًلا عن مهارتهم الرياضية، فكيف بدأ هذا النوع من الأفلام ، ومن هم أهم رموزه؟
كانت بداية دمج الفنون القتالية في السينما في الصين، وتحديًدا في هونج كونج في الأربعينييات ، كانت الأفلام التاريخية التي تحكي قصص شخصيات حقيقية أو أسطورية تحتوي على بعض المشاهد القتالية آنذاك، ولكن معظمها كان يؤدي
بالحبال والخدع السينمائية الأخرى، لكن الجمهور الصيني سئم من أفلام تنتاول أشخاصاً لا يمتون للواقع بصلة ويمثلهم أشخاص لا يعرفون شيًئا عن القتال.
ومن هنا كانت بداية نوع جديد من الأفلام حيث ظهرت شخصية وونج في هانج، والذي كان ممثله خبيًرا في الفنون القتالية الصينية ويدعي كوان تان هينج، يعمل طبيبًا وأنه كان ذو قوة جسمانية خارقة ومهارة قتالية عالية.
وكان وونج في وكان الفيلم يتمحور حول رجلًا عادياً هانج رجًلا خيًرا يساعد الناس، إما كطبيب أو كمقاتل، فأعجب الجمهور به وكثرت أفلام تلك الشخصية خاصًة أن كوان تان
هينج لم يكن يعتمد علي الحبال أو الخدع السينمائية، بل كان يعتمد على خبرته الحقيقية لتأدية مشاهد القتال.
ومن هنا ظهر نوع جديد من الأفلام يتمحور حول شخصية خيرة تناصر الضعفاء والمظلومين وتوقف الأشرار، فتبدلت النظرة تجاه الفنون القتالية كمجرد وسيلة للدفاع عن النفس أو إيذاء الآخرين بوحشية خاصًة بعد أن سطع نجم “بروس لي” في السينما الصينية والغربية أي ًضا في أواخر الستينيات بعدد من الفنون القتالية الآسيوية والغربية مثل “التاي كوندو” و “الوشوو” و”الملاكمة” والتي كان يجمع بينها في مشاهد القتال، وفي الاستعراضات التي كان يقوم بها خارج الأفلام وغير
مهارته.
كان “بروس لي” ذا بنيه رفيعة وقوية وشخصية بارزة جعلت كل من يشاهد أفلامه يعجب به ويريد تقليده. وعندما ُعرضت أفلامه في هوليوود شاهدها العالم الغربي ،ثم شاهدها العالم العربي فعرف العالم عن الفنون القتالية الآسيوية والمفاهيم التي ترتكز عليها مثل “التأمل “و”الشرف” و”الشجاعة”. فزاد الإقبال علي تعلم تلك الفنون وزاد معلموها.
وبعد موت بروس لي المبكر في عمر الثانية والثلاثين حل محله “جاكي تشان” في أواخر السبيعينييات ليضفي روح الفكاهة على تلك الأفلام، وقد ركزت أفلامه علي فن “الوشوو” تحديًدا بأساليبه المتعددة التي أتقنها جاكي تشان في صغره. كما عرف جاكي تشان بتأدية جميع مشاهد القتال والحركات الصعبة بنفسه بدون الاستعانة بحيل سينمائية أو دوبلير فأصبح هذا برهاًنا لصلابة هذا الممثل وقوته.
ومثلما ساهم “بروس لي” و”جاكي تشان” في نشر الوعي عن الفنون القتالية الصينية، فينسب للتايلندي “توني جا” نشر الوعي عن رياضة “المواي تاي” في فيلمه “أوونج باك”، وخاصة أن “توني جا” في الأصل هو متمرس بتلك الرياضة.
وهكذا أصبحت العادة أن يزيع صيت إحدى الفنون القتالية بعد أن تظهر أساليبها في فيلم يعجب الجمهور ببطله وقصته.
فانتشر الكاراتيه بعد فيلم “فتى الكاراتيه” الذي صدر في 1984، وعرف العالم فن “الإيكيدو” بسبب أفلام ” ستيفن سيجال”، وهو يحمل حزاًما أسود من الدرجة السابعة في هذا الفن، و زاد الإقبال علي الملاكمة بعد أول أفلام “روكي بالبوا” للمثل
سيلفستر ستالون الذي صدر في 2006 ويحكي القصة الحقيقية لملاكم إيطالي بنفس الاسم. وقد روي توني جا أن عشقه للفنون القتالية بدأ بمشهادة بروس لي وجاكي تشان من بعده، فحاله كحال العديد منا الذين ألهمتنا أفلامهم لنمارس الرياضة
بأي شكل من أشكالها. كما أن انتشار الفنون القتالية من بلدان وثقافات مختلفة قد ساهم في نشر الوعي عن تلك الثقافات و مفاهيمها فأضحت تلك الأفلام بمثابة سفير ينشر الوعي عن الفنون القتالية المختلفة و الثقافات التي نشأت منها.