“أمي وتخـذلـني اللغــاتُ جميعها.. لوجئْتُ أدركُ باللغــات سناك
فكمِ انـزوى بيديهِ حــرْفٌ خِلتـــه.. قلبي اشـــرأب معانقاً ريـّــاك”
بهذه الكلمات عبر الشاعر الجزائري كريم دزيري عن الحب الذي نحمله لأمهاتنا، حقاً تعجز اللغات عن وصف جمال الأم ومدى عطائها العطاء الذي يحرمها من متع الدنيا لتكون متعتها الوحيدة هي رؤية أطفالها في أفضل حال، ولذلك أهدي كلمات هذه المقالة إلى كل أم في هذا العالم الذي تتشابه فيه سائر الأمهات ويجتمعن جميعهن في دروب العطاء والكفاح ليضربن أروع الأمثلة في التضحية، إلى السيدة التي كافحت ولا تزال تكافح من أجلي أنا وإخوتى، إلى المرأة التي قامت بدور الأب على أكمل وجه وكما يجب أن يكون، فدعني عزيزي القارئ أسرد لك قطوفاً من حياتها تعبر عن عظمة مواقفها وكفاحها طيلة حياتها.
حين أتأمل مسيرة حياة هذه السيدة الفاضلة التي أتشرف بكونها أمي فإني أجدها الأفضل بين الأمهات والأقوى والأعظم والأجمل، جمعت بين الحب والحنان والتضحية والجهد والعطاء بدون مقابل، هي أجمل ما رأت عيني وعشق فؤادي، في نظري هي دنيـا الحب والوفاء والتضحية بذور شجرتها، كعادة الأم لم تتخلى عن صغارها ولم تبحث عن طريقة سهلة للعيش ولم تختار الزواج برجل آخر بعد وفاة زوجها مراعاة لمشاعر بناتها، لكنها اختارت الشقاء والعناء عملت في أكثر من عمل جهد في العمل وجهد أكبر في المنزل، ووفقها الله أن تنجح في عملها وتحافظ على بيتها.
كافحت منذ صغرها دون كلل أو ملل مؤمنة بأن الله في معيتها، تحملت العنف والتعب والحرمان والوجع دون أن تقف يوماً أمام أطفالها تطلب الطلاق من زوجها، كسائر بنات جيلها لم تكن من النوع الاجتماعي الذي لديه صديق أو جار يذهب إليه يشكو له قسوة الزمن أو يهون على نفسه مرارة الأيام، لم تأخذ دروساً في علم الأجتماع لكنها خير من عرف بأن كرامة الفتاة في علمها وعملها وليس مطلوباً منها أن تبحث عن زوج لتعيش حياة كريمة، إنما البحث عن العلم والمعرفة والأيام هو ما سيجعلها تقابل من يناسب فكرها ويبني معها أسرة ناجحة.
هذا تفكير سيدة علمتها التجارب والسنين قبل أن تتعلم القراءة والكتابة في عقدها الثالث من عمرها الذي أفنته في العطاء المتواصل ليكون لها خير معلم فخرجت من السنين كأنها تعلمت في أرقى المدارس والتحقت بأفضل الجامعات، لتكون لغيرها القدوة والمثل الأعلى في الجلد و القوة والذكاء وحتى في تقبل نكبات الدهر فلا يمكن أن أنسى اليوم الذي تعاملت فيه مع وفاة زوجها بكل صبر و جلد خوفاً من انهيار فتياتها، لتحمل ثقل المسئولية بعده لئلا يشعرن بفقد والدهن وبالفعل حققت لهن حياة أفضل.
أمي التي لم تحمل في قلبها حقداً أو غلاً لأحد أو حتى للظروف التي حملتها مسئوليات كبيرة وجعلتها تكافح وتحارب في الحياة وحدها.
أمي الحبيبة التي أفتخر بحديثي عن مواقفها الأصيلة فهي تسامح وتعفو عند المقدرة مهما كان حجم الخطأ، فدخول منزلها كفيل بإنهاء أي خلاف و تبديده ،لديها من الشدة والبأس ما يجعلها سيدة قرارها ولا يسمح لأحد بالتدخل في أمر من أمور حياتها الشخصية، جمعت ما بين اللين والقسوة، والشدة واللطف، ليس لها مثيل أو شبيه تنفرد بأمور وطبائع فريدة حافظت عليها في زمن تجرد من قيم وفضائل عديدة، هذا كله في كفة وفي الكفة الأخرى لم تنسى دورها في تربية المجتمع عبر نشر قيم التسامح ومد يد العون وبث بذور التكافل الاجتماعي فهي العطوفة على الفقراء والمحتاجين تهرول من هنا لهناك طمعاً في قضاء حاجة إنسان وتقول دائماً أن أعظم الأعمال هو قضاء حاجات الغير.
أعزائي القراء عبر هذه الأسطر وفي هذا المقال الذي ارتأيت أن أخصصه لأمي التي مثلها مثل أمهات العالم المضحيات بكل شئ بمالهن وصحتهن وراحتهن من أجل أن نعيش بحرية ولا نشعر باليتم أو الانكسار، تحية لأمي ولكل أمهاتكم اللائي يكافحن من أجل أبنائهن ويتحملن الكثير من أجل لقمة العيش، حفظهن الله ورعاهن وأدامهن لنا عوناً وسندا.
ورسالتي لكم أن تتحملوا أيضاً مع أمهاتكم ولا تجعلوهن يعانين اعتقاداً منكم أنهن سبب في تعبكم، ارفقوا بهن وامنعوا غضبكم عنهن عيشوا من أجل سعادتهن وراحتهن، ردوا لهن قدر استطاعتكم ولو قليلاً من الجميل.
بقلم/ صابرين الهلالي