– في القراءة بدأت احبو وأرى ما لا يستطيع الآخرين رؤيته، أطوف بخيالي عصور وازمنة عديدة تجعلني ابتعد كثيراً عن واقع مرير، فانفضلت اعواماً عن الواقع واتخذت من غرفتي صومعة كالفلاسفة، ابحث فيها عن مافقدته.

– أبحث منذ صغري عن تلك الرواية التي خرجت منها، لأعيش في هذا العالم ولم أجدها، منذ كان عمري خمسة عشر عاماً، وأنا هائمة في القراءة مويقنة أني لست من هذا الزمن أو من أهله، فأنا أعشق كل ماهو قديم، أنيق، معتق.

– أجدني كثيراً أميل لروايات تحكي عن اميرات ضائعات، في ثياب غير ماولدن فيها ويقمن في بيوت ليست لهم، أعشق أفلام تحكي عن قلاع وخيول وحروب، وقصة رومانسية بين خادمة أو فلاحة بسيطة وابن ملك، لتعلن في نهاية الحكاية أنها أميرة فقدت وحان موعد عودتها.

– وفي يوم وجدت تلك الحكاية في مجموعة كتب تسمي ” ألف ليلة وليلة”، نعم أنا هي “شهرزاد” تلك الأنثى الشهية العصية، ذات الخصال الوفية والطلة البهية والحكمة القوية، التى استطاعت بها أن تدير دفة قلب شهريار إليها، بحكاياتها الوفيرة الغزيرة، وبكثرة القراءة في احوال البلدان وعجائب الامصار.

– وجدتني أرها في مرآتي، في كتبي الدراسية، في وجه معلماتي وحتى في منامي، أرها تداعب خيالي كي يلد لي بعض الحكايات الصغيرة؛ لأستيقظ وأدون هذه الخاطرات في دفتري، وبعدها شق قلمي الغبار وسابق العاديات الماهرات، حيث فنتازيا الواقع وواقعية الخيال.

– بعدها بسنوات وجدتني وبعد الكثير من القراءة اهرع بين الروايات، أطوف فيهم من أدنى المشرق إلي أقصى المغرب وبينهما تلمع أوروبا، زرت بخاري وأكلت أرزه المبهر ولحمه الضأن، ورأيت طلابه المريدين في رواية ” قمر على سمرقند”، رقصت مع الرومي و التبريزي في قونية برواية ” قواعد العشق الأربعين”، بكيت حد الاختناق مع سليمة على صحائف جدها في ” ثلاثية غرناطة”.

– تلك الأزمان المختلفة و الحكايا البعيدة، جعلتني أغرق فيها ولا ألبث أن أبتعد حتى أعود راكضة مشتاقة، كانت دوماً لي القراءة متعة وحياة، فهل سأعود قريباً إلى زمني الحقيقي، والذي أجزم أنه سيبعد عن هذا الزمن قرون عدة؟