هو الاسم الذي اطلقته على تلك اللوحة الرائعة، إنها ليست سوى حالة نفسية عاشها رسامها الشهير داخل غرفته في ذلك المصح النفسي قبل وفاته، ليست مجرد ألوان ورسومات، إنها عالمه الفريد والمختلف، نظرته للكون وهو خلف اربع جدران لا يفصله عن العالم سوى طاقة صغيرة اعلى غرفته لا يرى منها سوى السماء، لم اتمالك قلمي وبدأت استشعر حاله لاسرده بكلماتي التالية:
– مَن قال أننا لا نستطيع أن نرى من أصغر سُّم خِياط مايجول بذاتٍ تسبح في فضاء تجهله العيون، ومن أذعن لفكرة أن الحبيس في منفاه المظلم لا تشرق عليه شمس الصباح وتغرب وهي تجر بأذيالها هلالاً أحناه حزن الليل، فهو قصير النظر لا يرى سوى ظلام في النور، ويستشعر الضيق في البراح الشاسع.
– ضربات ريشتي بـ اللوحة توحي بالضياع، زرقة تعلو مشهد حياتي وتغطي الكثير منها، تخترقها صفرة روحي الباهته فأجد البهجة تمتزج بالكآبة في رقصة فالس عذبة تطرب من يراها وتصيبه ببالغ الدهشة.
– السّحر الذي تضفيه شجرة السارو في اللوحة بين المجيء والعودة، تحدّ أيام عمري الباقية، والتي ستنزعني من جذوري الموحلة التي لوثّتني حد العناق الدائم لتسمو بي إلى فضائي الذي جعلني كالمسحور بين مداراته.
– لست مريضاً، فأنا بداخلي خيلٌ يجمح خارج حدود ذلك الجسد، وهذا المجتمع وتلك الحياة، في ليلتي دمجت بهذه اللوحة كل شيء، القمر يشعّ كالشمس ويصيب بنوره النجوم فتنتفخ أوداجها لتتحسّس في ضيائه بخترتها بالسماء.
لست مجنوناً ففي هذه اللوحة أبرزت الارض والمباني بأبهة، امتناناً مني لترسيخهم بداخلي صلابة تضاهي هراء العالم الخانق، لقد تركت لهم الدنيا وزينتها، زهدت في بيت العبادة وكفرت بدينهم السامي واعتنقت دين العزلة.
– حماقة كبرى تعتري عالماً يُوصمني بالجنون حيث أرى الأفق الفسيح من تلك الطاقة الصغيرة أعلى غرفتي الضيقة وأسجله في تلك اللوحة، أمّا هم يملكون الدنيا ويشكون ضيقها.
– ألا تباً!