درسنا جميعا منذ أن كنا صغارآ أن المصري القديم بعبقريته الفذة والمشهودة له في مجال المعمار بشكل خاص قد إستطاع إحداث معجزة كبيرة بجعل الشمس تتعامد على وجه تمثال رمسيس الثاني بمعبد أبو سمبل مرتين في العام.
وقد كان إكتشاف الأمر من قبل العلماء شيئا فريدا من نوعه وخاصة التعامد الذي يحدث على التمثال الصغير المجود بقدس أقداس المعبد الكبير خصوصآ وأن هذا المعبد خصوصآ ليس مبنيا كمعظم المعابد بل منحوتآ في الصخر مما يزيد من صعوبة الأمر بكل تأكيد.
والحقيقة أن هذا الإكتشاف كان غريبا من نوعه رغم أن باقي التحف المعمارية الباقية منذ عهد المصريين القدماء والمنتشرة في ربوع مصر من الإسكندرية إلى أسوان تبهر الجميع وتثير حيرتهم ويكفي رؤية أهرامات الجيزة وتضارب الأراء وإختلافها حتى الآن حول كيفية بناءها وكيفية نقل هذه الأحجار شديدة الضخامة من محاجرها في أسوان حتى موضع البناء, ولكن مسألة تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني بمعبد أبو سمبل ظل في صدارة الأمور المحيرة في الحضارة المصرية.
والسر في هذه الحيرة الكبيرة التي تكتنف العلماء ليس راجع فقط إلى الإعجاز المعماري في بناء هذه المعابد والصروح الضخمة خاصة في مدينتي الأقصر وأسوان وإنما يعود للإعجاز الفلكي في كيفية ضبط هذه الإحداثية الصعبة في الجمع بين تعامد الشمس وبين موقع التمثال بمعبد أبو سمبل مرتين في العام مما أسفر عن إجماع على عبقرية المصري القديم في إختيار موقع هذه الأعمال الفنية الكبيرة.
سر الإعجاز
ولكن المفاجأة الحقيقية أن آخر الدراسات التي أقيمت بهذا الخصوص أثبتت ان هذا التعامد لم يكن وليد الصدفة أو حسن حظ كما يقال ولكن أقرت أن حرص المصريين القدماء على توجيه الشمس نحو المعابد ليس من باب الصدفة بل أنه مقصود، نظرآ لعدة أسباب أهمها أن النصوص القديمة أظهرت أن المعابد وفقا لمعتقدات المصرى القديم بمثابة منطقة سماوية فلابد أن تتخللها أشعة الشمس لتربط بين العالم الآخر والعالم السفلى، فكان المصرى يرى أن أعظم أوقات التجليات لمعبود الشمس فى أوقات الشروق والظهيرة والغروب، لذا نجد أن أغلب المعابد تتجه نحو أشعة الشمس لتتعامد عليها فى هذه الأوقات.
وتمكنت الدراسة من إثبات تعامد الشمس على 9 معابد منها جبل السلسة بأسوان، دير شلويط بالأقصر، الملكة حتشبسوت بالدير البحرى، معبد كلابشة، معبد دندرة، معبد إدفو، معبد هيبس، معبد دير الحجر، معبد قصر الغويطة، حيث رصدت تعامد أشعة الشمس على معبد الملك حور محب في منطقة جبل السلسة بأسوان، حيث تتعامد أشعة الشمس يومى 29 سبتمبر و15 مارس من كل عام داخل قدس أقداس مقصورته في جبل السلسة، وذلك بمناسبة أعياد المعبود حورس، والذى أقرن الملك حور محب بعبادته.
كما تم رصد ظاهرة تعامد الشمس على المعبد الرومانى المعروف بدير شلويط الذى يقع غرب مدينة الأقصر، حيث تتعامد عليه الشمس مرتين خلال العام في يومى 23 من أكتوبر و20 من شهر فبراير، وتتعامد داخل قدس الأقداس بالمعبد على لوحتين للإله آمون والإله منتو رع.
حتشبسوت لها نصيب
وفى معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحرى بمحافظة الأقصر أيضا، تحدث ظاهرة التعامد فى 6 يناير ويوم 9 من شهر ديسمبر من كل عام، حيث تتعامد أشعة الشمس المشرقة على قدس أقداس المعبد و تسقط داخله متسلطة على نقش ملون لقرص الشمس المجنح الذي يمثل بدوره المعبود الحامي للعرش الملكي، ويتوافق يوما التعامد مع عيد للمعبودة “حتحور” وعيد آخر للمعبود “حور”.
ورغم كوننا الآن نعيش في زمن كورونا وجميع المواقع مغلقة حاليا إلا انني أرى أن هناك فرصة لإستغلال هذه الازمة وأطالب وزارة السياحة بإدراج هذه الاماكن الجديدة في جداول الزيارات السياحية بمصر مع الترويج لهذه الظواهر الفذة وإقترح تقديم عروض فنية تشرح أسباب وفلسفة المصرى القديم في ربط ظاهرة تعامد الشمس على المعابد، بعيدآ عن العروض التي تقتصر علي عروض التنورة والفلكور الشعبي ستكون لها وقعا ملموسا لتفسير حدوث كل ظاهرة في كل معبد.
كما اقترح أيضا أن يتم الترويج لهذه المعابد من خلال توفير توثيق إلكتروني يسجل أوائل الزائرين والسائحين الذين شاهدوا ظاهرة التعامد بهذه المعابد، مما يجعل هناك تسابق بين محبي السياحة الثقافية ليكونوا أوئل الشهود علي حدوث الظاهرة.
كتب:تامر محمود متولي