IMG 20200516 WA0023

مدفع الإفطار

العادة الرمضانية الأصيلة

بما أن المسلمون صائمون في هذه الأيام المباركة، كان ولا بد أن يأخذكم آدم في رحلة جديدة عبر قصة إحدى العادات الرمضانية الأصيلة التي بدأت منذ مئات السنين، ألا وهي مدفع الإفطار، فيا ترى ما هي قصة مدفع الإفطار؟…

إعتاد الصائمون على أن يرتبط إفطارهم وإمساكهم في أيام شهر رمضان بأذاني المغرب والفجر ورغم أن القاهرة هي مدينة الألف مأذنة فقد عرفت هذه المدينة مدفع الإفطار في العصر المملوكي عام 859هـجرية 1439ميلادية وكانت القاهرة أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب، إيذاناً بالإفطار في شهر رمضان.
وكان ظهور مدفع الإفطار جاء بمحض الصدفة في أول يوم رمضان عام 859هـجرية 1455ميلادية كان حاكم مصر في هذه الفترة السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خُشقدم بن عبد الله الناصري المؤيدي، سلطان الدولة المملوكية البرجية السادس عشر، الذي قد تلقى مدفعاً هدية من صاحب مصنع ألماني فأمر بتجربته وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذلك إيذان لهم بالإفطار، وفي اليوم التالي توجه شيوخ الحارات والطوائف إلى قلعة الجبل لشكره على هديته لسكان القاهرة، فلما عرف السلطان الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان، وإستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا.

مدفع الحاجة فاطمة:

إرتبط إسم المدفع بالحاجة فاطمة في سنة 859 هجرية عندما توقف المدفع الذي أطلقه السلطان خشقدم على سبيل التجربة عن الإطلاق، ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب إستمرار عمل المدفع لكنهم لم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى الحاجة فاطمة ونقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه، فأطلق الأهالي إسم الحاجة فاطمة على المدفع وإستمر هذا المسمى حتى الآن.

رواية أخرى بطولة محمد علي باشا الكبير:

وهناك رواية أخرى مشهورة عن ظهور مدفع الإفطار تقول أن والي مصر محمد علي باشا الكبير كان قد إشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية الحديثة في إطار خطته لبناء الجيش المصري، وفي يوم من الأيام الرمضانية كانت تجري الإستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فإنطلق صوت المدفع مدويًا في نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليدًا جديدًا، وإعتادوا عليه وطلبوا من الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور فوافق وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميًا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام.

وقد إستمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ميلادية ولكن إمتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة غير الحقيقية أدى إلى الإستغناء عن الذخيرة الحية، كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة، ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدراسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة البعوث قرب جامعة الأزهر.

6 مدافع و5 مناسبات:

وقد كان في القاهرة حتى وقت قريب 6 مدافع موزعة على أربعة مواقع، إثنان في قلعة الجبل، وإثنان في العباسية، وواحد في مصر الجديدة، وآخر في حلوان، تطلق كلها مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعها كل سكانها وكانت هذه المدافع تخرج في صباح أول يوم من رمضان في سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة، ولم تكن هذه المدافع تخرج من مكانها إلا في خمس مناسبات وهى رمضان والمولد النبوي وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد ثورة 23 يوليو، وكان خروجها في هذه المناسبات يتم في إحتفال كبير حيث تحمل على سيارات تشدها الخيول، وكان يراعى دائما أن يكون هناك مدفعان في كل من القلعة والعباسية خوفا من تعطل أحدهما.

ويذكر أن المدفع توقف في بعض الأعوام عن الإطلاق بسبب الحرب ما بين 1967 و 1973 مما أدى إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983 عندما صدر قرار من وزير الداخلية آنذاك اللواء حسن أبو باشا بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية، ولكن إستمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع أدى لنقله من مكانه خصوصًا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية هامة.

يستقر المدفع الآن فوق هضبة المقطم القريبة من القلعة وتم تنصيب مدافع أخرى في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية ويقوم على خدمة المدفع أربعة من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك.

مهما كان أصل المدفع فهو تقليد ثابت لا يمكن تجاهله ،تقليد لا يمكن محوه أو نسيانه

كتب:مصطفي خالد