أكتب إليكم هذا المقال ولعلها تكون آخر كلماتي، ها قد أودع حياتي بعدما صوّرت لي نفسي أنني أصبحت أتمتع بالكمال من حيث العِلْم والثقافة، وأعلم جيداً أنني قد أخطأت في حق نفسي ونفس غيري من خلال السَعْي إلى إقناع الناس بوجهة نظري التي لا تمثل إلا تحليلاتي الشخصية ولا تستند على قواعد صلبة تعزز من صحتها.
وكأن قصتي كانت قد بدأت منذ يوماً أو بعض يوم، حيث ظهر وباء غامض غير معروف الاسم ولا الهوية لا يملك سوى مرض فيروسي يتفشى في أنحاء العالم وصفه أصحاب العِلْم بالفيروس التاجي نظراً لشكله، ومنذ ذلك اليوم الذي يبدو لي أنه لم ينتهي بعد، ارتدى مئات الآلاف من الناس هذا «التاج الملعون»، منهم من كانوا أصحاب الداء ومنهم من كان يحظى بسلطة العِلْم.
أدرك جيداً أنكم إذ وصلتم لهذا السطر فمن الأرجح أنكم تتساءلون عن موضوع قصتي والأهم في ذلك هو كيف أنا أودع حياتي وفي نفس الوقت قادر على سرد كلماتي لكم الآن.
- بدايـــــة اليـــوم المشؤوم
في بداية هذا اليوم المشؤوم الذي لم ينتهي بعد منذ أن أقبل علينا الوباء، ظللتُ أبحث عن حقيقة هذا «التاج الملعون»، ولكن لم أجد سوى بعض من نظريات المؤامرة التي تتهم الفئات المتورطة في خلق هذا الوباء بالجريمة الإنسانية، وأمّا عن العِلْم، فقد كان يمثله أصحاب الثياب البيضاء وأصحاب المصالح والشقاء.
فمن رحمة خالق الكون سبحانه وتعالى أنه جعل في الأرض رحماء يسعون إلى توفير الراحة للإنسان، وهم كانوا من أصحاب الثياب البيضاء الذين لم يحظوا بمال وأضواء أصحاب المصالح، ولكن هدفهم الأول والأخير هو علاج حامل الفيروس التاجي.
أما فعن موضوع حديثي معكم اليوم، فقد أقنعت نفسي أنه هناك شيطانان عظيمان يتمثلان في صورة بلدين، كلاهما يسعان إلى فرض سيطرتهم على العالم وتحقيق أحلامهم حتى يخضع الجميع لقوانينهم، ومن هنا بدأت مسيرتي في نشر أفكاري بين العامة، كما سعيت بشتى الطرق إلى إقناع الجميع بما أؤمن وي كأنني في الأساس كنت أعلم ما يحدث عن يميني وشمالي.
ولم يهمد سَعْيِي وبث سمومي بين الناس، ففي ذلك الوقت كنت أشعر بالمتعة حين أرى شخص يؤمن بأفكاري وتحليلاتي، وأكملت مسيرتي التي كنت أتفاخر بها وبأنني مثال للشاب المثقف الواعى ولكن تجاهلت حقيقة أنني ما أوتيت من العلم إلا قليلا.
وفي منتصف هذا اليوم شعرت بألم في المعدة وبدأ معي الأمر بمرض الإسهال، لكن للأسف الشديد منعني غروري من التفكير في أن هذا قد يكون أول عرض للإصابة بفيروس كورونا المستجد وعلاوة على ذلك، تجاهلت الأمر حتى أنني لم أخضع لعلاج المرض الموسمي، حتى إنتهي بي الطريق إلى المشفى.
- نهايـــــة طريقــــي
وها أنا أرقد الآن في السرير معزولاً عن الحياة، استرجع ذكريات هذا اليوم الطويل، أتذكر فيه كم كنت غافلاً عن الواقع، وكم من شخص أقنعته بعدم أخذ الأمر بأكثر جدية وعدم توخي الحذر بسبب خطورة الوضع، وأن كل ما يجري هي مجرد حرب تجارية بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية.
أتمنى في نهاية عباراتي أن تتقبلوا أسفي عما كنت به أجادل، فقد وهمت نفسي بنظريات المؤامرة وزعمت أن الأمر ليس إلا مجرد أكذوبة يستخف بها البعض بعقولنا، وحتى إن كنت أؤمن في داخلي حتى الآن أنها مؤامرة، فأنا أبرئ نفسي اليوم من خطيئة من يؤمن بي، ففي حالة إن خاب ظني وخدعتني حسابات الأمور فلن أُسأل على ذنب قد تسبب فيه لأحد من البشر.
كتب/ إسلام سامح