التنمر في زمن الكورونا

كتبت نيفين رضا

إلى جانب معاناة ألم  مرض كورونا ، واجه العديد من المصابين والمشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا، حالة من التنمر والإساءات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مجتمعاتهم، فكلما زاد الشعور باقتراب الخطر، وكلما أحسسنا بتهديد الحياة نزداد تنمراً.

وللأسف يتم ممارسة التنمر في مصر تجاه من أصيبوا أو ماتوا بكورونا ، فعلى سبيل المثال ، تداول رواد موقع التواصل الاجتماعى تويتر “فيديوهات” لتجمهر المواطنين فى قرية شبرا البهو بمحافظة الدقهلية لمنع دفن جثة طبيبة توفيت بمستشفى العزل في الإسماعيلية بعد إصابتها بفيروس كورونا، مؤكدين أنه تم دفن الجثة بعد تدخل الجهات المعنية وتفريق الأهالي، كما تعرضت ممرضة بمستشفى الصدر بالدقهلية، للتنمر بسبب إصابتها بفيروس كورونا، وقالت من خلال فيديو تداول بين مستخدمى فيس بوك: “أنا ممرضة من ضمن اللي اتصابوا بكورونا.. لما عرفنا الخبر ان النتيجة إيجابية.. بالعكس احنا رضينا بقضاء الله.. وقولنا الحمد الله على كل حال.. واحنا المفروض أن ده دورنا أن احنا نصبر الناس.. وقولنا الحمد الله أزمة وهتعدى وهنبقى بخير بإذن الله”، مضيفة: “لحد ما لقينا مواقع التواصل الاجتماعى عليها أرقامنا وصور بطايقنا.. وناس تكلمنا اللى بيقول كلمة حلوة واللى بيشجعنا.. وفيه كمان اللى بيقولوا أن إحنا نشرنا الوباء وإننا مصدر العدوى والسبب فى كل اللى بيحصل ده، إحنا بجد تعبانين اتقوا الله فينا.. احنا تعبانين بجد نفسيتنا مدمرة.. وعلاجنا معظمه نفسيا.. اتقوا الله فينا حسبى الله ونعم الوكيل” .

كما أن هناك مِن مصابي كورونا مَن دفع الثمن حياته، حيث ان الناس تتوقف عن التبليغ عن أعراض الوباء أو إصابتهم به خشية من تعرضهم للسخرية والإيذاء من الآخرين ، خاصة أن المصريين لديهم موروثات قديمة لوصمة الأمراض والمصابين بها مثل السل والجذام والبهاق، كما أن المصابين لديهم تخوف من نظرة العنصرية وتجنب الناس لهم، وذلك يرجع إلى انتشار الجهل وقلة الوعي وترك الناس أسيرة لمعتقداتها الخاطئة. فالتنمر مرض اجتماعي خطير، لابد من التعرف عليه وعلي أسبابه وأنواعه ، وآثاره، وكيفية علاجه ، على النحو التالي .

ما هو التنمر ؟

 

التنمر هو سلوك عدواني متكرر يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً، جسدياً أو نفسياً. يتميز التنمر بتصرف فردي بطرق معينة من أجل اكتساب السلطة على حساب شخص آخر.

يمكن أن تتضمن التصرفات التي تعد تنمراً التنابز بالألقاب، أو الإساءات اللفظية أو المكتوبة، أو الاستبعاد من النشاطات، أو من المناسبات الاجتماعية، أو الإساءة الجسدية، أو الإكراه . يمكن أن يتصرف المتنمرين بهذه الطريقة كي يُنظر إليهم على أنهم محبوبون أو أقوياء أو قد يتم هذا من أجل لفت الانتباه. ويمكن أن يقوموا بالتنمر بدافع الغيرة أو لأنهم تعرضوا لمثل هذه الأفعال من قبل.
يقترح مركز الولايات المتحدة الوطني لإحصاءات التعليم أنه يمكن تقسيم التنمر إلى فئتين:

١) تنمر مباشر

٢) تنمر غير مباشر والذي يُعرف أيضاً باسم العدوان الاجتماعي.

ويتميز العدوان الاجتماعي أو التنمر غير المباشر بتهديد الضحية بالعزل الاجتماعي. وتتحقق هذه العزلة من خلال مجموعة واسعة من الأساليب، بما في ذلك نشر الشائعات، ورفض الاختلاط مع الضحية، والتنمر على الأشخاص الآخرين الذين يختلطون مع الضحية.
كما أن هناك خطوط عريضة لأشكال التنمر غير المباشر والتي تعتبر أكثر تعقيداً وتكون في أغلب الوقت لفظية، مثل التنابز بالألقاب، والمعاملة الصامتة، ومجادلة الآخرين حتى الاستسلام، والتلاعب، والشائعات المختلقة والأكاذيب والتحديق، والقهقهة والضحك على الضحية، والاستهزاء.

انواع التنمر:

 

اولاً: التنمّر الاجتماعي:

هدفه الإساءة إلى سمعة الشخص اجتماعيًا ومنه الإشاعات، والكذب، والإحراج، وتشجيع الآخرين على نبذ الشخص اجتماعيًا.

ثانياً : التنمر في أماكن العمل

التنمر يعتبر “فعل سيء متكرر ضار بالصحة، وإساءة لفظية، أو سلوك تهديدي ومهين وترهيبي، أو التخريب الذي يتداخل مع العمل أو مزيج من هذه العناصر الثلاثة”.
التنمر في العمل غالباً ما يحدث داخل القواعد المؤسسة والسياسات للمنظمة والمجتمع. وليس بالضرورة أن تكون هذه الأعمال غير قانونية، وربما حتى لا تكون ضد أنظمة الشركة، ومع ذلك تكون الأضرار التي لحقت بالموظف المستهدف وللروح المعنوية لمكان العمل واضحة.

يسمى التنمر باسم المهاجمة، ولا سيما عندما يرتكب من قبل مجموعة في مكان العمل، ويمكن أيضاً أن يعرف في الأوساط السياسية بـ”الاغتيال الوظيفي”.

ثالثاً : تنمر الإنترنت

وفقاً للمعلم الكندي بيل بيلسي، فإن تنمر الإنترنت هو:

“الذي يستعين بالمعلومات وتقنيات الاتصالات مثل الرسائل الإلكترونية والهواتف المحمولة والرسائل النصية والفورية ومواقع الإنترنت الشخصية التشهيرية والمدونات والألعاب على الإنترنت ليدعموا تصرفا عدائيا يتسم بالتكرار التعمد من قبل فرد أو مجموعة، ويهدف لإيذاء الأخرين”.

رابعاً : التنمر السياسي

عندما يفرض بلد ما إرادته على بلد آخر. ويتم هذا عادة مع القوة أو التهديد العسكري. ومع التهديدات، فإنه من الشائع أن يكون ذلك لضمان أن المساعدات والمنح لن يتم منحها لدولة أصغر أو أن الدولة الأصغر لن يُسمح لها بالانضمام إلى منظمة التجارة.

خامساً : التنمر في المدارس

يحدث التنمر في كافة أنحاء المدرسة. فيمكن أن يحدث في أي جزء تقريباً داخل أو حول محيط مبنى المدرسة، وعلى الرغم من ذلك فأنه يحدث في أكثر الأحيان في قاعات التربية البدنية، أو الاستراحة، أو المداخل، أو الحمامات، أو في حافلة المدرسة وأماكن انتظار الحافلات، والفئات التي تتطلب فريق عمل أو جماعات الأنشطة المدرسية. أحياناً ما يكون التنمر في المدارس مِن مجموعة من الطلاب لديهم القدرة على عزل أحد الطلبة بوجه خاص ويكتسبوا ولاء بعض المتفرجين الذين يريدون تجنب أن يصبحوا هم الضحية التالية. ويقوم هؤلاء المتنمرون بتخويف واستنزاف قوة هدفهم قبل الاعتداء عليهم جسدياً.  فالأشخاص الذين يمكن اعتبارهم أهداف معرضة للتنمر في المدرسة هم التلاميذ الذين يعتبرون في الغالب غريبي الأطوار أو مختلفين عن باقي زملائهم، مما يجعل تعاملهم مع الموقف أصعب.

سادساً : التنمّر العرقي

وهو التنمّر على عرق أو دين أو لون أو جنس الشخص الآخر. وقد يصل هذا النوع من التنمّر إلى شمل كل أنواع التنمّر المذكورة أعلاه واصلاً إلى حدّ القتل.

أسباب التنمّر:

 

أولاً: المتنمّر كان ضحية تنمّر.

كثير من المتنمّرين كانوا ضحية تنمّر أنفسهم، مما جعلهم يشعرون بعدم القيمة والغضب وبالتالي أصبحوا يرمون هذا التنمّر على غيرهم.

ثانياً: الوحدة

الشعور بعدم الأهمية والوحدة قد يولّد التنمّر بهدف اكتساب الاهتمام والشعور بالقوة. حتى وإن كان المتنمّر ينتمي الى مجموعة، فهذا لا يعني أنه يشعر بالانتماء والأهمية لهـذا يحاول إيجادها عبر التنمّر على الآخرين.

ثالثًا: عدم تقدير الذات.

إن كان الشخص يشعر بعدم القيمة (غير جميل، غير ذكي، غير مستحق، غير قادر ماديًا..) فإنه يحتاج إلى الشعور بأنه أفضل من ذلك وأسهل طريقة له هي عبر الحطّ من الآخرين مما يدفعه للتنمّر.

رابعاً: الغيرة.

إذا كان المتنمّر يعاني من الغيرة من أحد ما فغالبًا ما سيحاول صبّ غيرته وانزعاجه على ذلك الشخص. غالبًا ما يكون سبب الغيرة شهرة الشخص الآخر أو مستواه الاجتماعي.

خامسًا: رؤية الآخر مختلف.

بعض المتنمّرين يتنمّرون لمجرد أنهم يرون الشخص الآخر مختلفًا عنهم، وهم سيشيرون إلى هذا الاختلاف علنًا بطريقة ساخرة بهف التنمّر.

آثار التنمر:

 

يمكن أن تكون آثار التنمر خطيرة جداً، بل ومن الممكن أن تؤدي إلى الوفاة. وتقول موناى أومور الحاصلة على الدكتوراه في مركز مكافحة التنمر، كلية ترينيتي في دبلن، أن “هناك هيكل نامي من الأبحاث توضح أن الأفراد، سواء كانوا أطفال أو بالغين والذين يتعرضون باستمرار للسلوك التعسفي، يكونون معرضين لخطر الأمراض المتعلقة بالضغط النفسي والتي من الممكن في بعض الأحيان أن تؤدي إلى الانتحار”.

يمكن أن يعاني ضحايا التنمر من مشاكل عاطفية وسلوكية على المدى الطويل. حيث قد يسبب التنمر الشعور بالوحدة، والاكتئاب والقلق وتؤدي إلى تدني تقدير الذات، وزيادة التعرض للمرض.

وعلي ذلك أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في ظل ظروف وباء كورونا أنه: “لا يجوز أبداً ولا شرعًا ولا مروءة أن يسخر إنسان من إنسان آخر أصيب بهذا الوباء أو مات به أو يتنمر ضده، والواجب هو أن يدعوَ الإنسان لأخيه الإنسان، وأن يتضامن معه، وألا يسخر منه بكلمة أو نظرة أو فعل أو قول يؤذي المصاب ويؤذي أهله”.

كيفية معالجة التنمر:

 

– اعرف قوتك.

المتنمّر سيجعلك تشعر أنك ضعيف لكن هذا غير صحيح. اعلم أنك قوي وكل ما عليك فعله هو إظهار هذه القوة.
و عدم القيام برد فعل تجاه التنمّر مثل البكاء أو غيره. لا تدع المتنمّر يشعر أنه نجح بأذيتك. ابتعد عنه بهدوء. إذا استمر التنمّر دافع عن نفسك.

– تجنّب المتنمّرين.

لا تتواجد في نفس المكان معهم أو على نفس الطريق، لكن لا تدعهم يشعرون أنك تتجنّبهم. وحاول ان تكون برفقة أصدقائك.-

– تعرّف على نفسك أكثر.

اكتشف مدى روعتك من الداخل. اعرف نقاط قوتك ونقاط ضعفك. اعرف ماذا تريد وما أنت قادر أن تفعل. اكسب الثقة بنفسك ولا تدع التنمّر يسلبك ثقتك بنفسك.

– تفادى التنمّر ولا تدخل في شجار أو قتال.

حاول أن تعرف نوع التنمّر الذي تتعامل معه. هل هو لفظي، جسدي، عاطفي… هذا يساعدك على معرفة كيفية التعامل مع الشخص أو تفاديه.

– في حال التنمّر عبر الإنترنت أو الهاتف

الغ رقم الشخص المتصل، لا تصادق مَن لا تعرفهم عبر الإنترنت، لا تعطي معلوماتك الخاصة عبر الإنترنت لأحد.

وأخيراً لابد من العمل بنصيحة شيخ الازهر الشريف الدكتور أحمد الطيب حيث أكد على أن: “وباء كورونا قد ابتلى الله به البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا ما يفرض علينا جميعا أن نتكاتف لمواجهته حتى يتم القضاء عليه. فلا يصح ولا يجوز أبداً لا شرعا ولا مروءة أن يسخر إنسان من إنسان آخر أصيب بهذا الوباء أو مات به أو يتنمر ضده”.