معركة حطين معركة فاصلة بين الصليبيين والمسلمين بقيادة صلاح الدين، وقعت في يوم السبت 25 ربيع الثانى 583هـ الموافق 4 يوليو 1187م بالقرب من قرية المجاودة، بين منطقة الناصرة وبحيرة طبرية انتصر فيها المسلمون، ووضع فيها الصليبيون أنفسهم في وضع غير مريح إستراتيجيًا في داخل طوق من قوات صلاح الدين، أسفرت عن تحرير مملكة بيت المقدس الصليبية وتحرير معظم الأراضي التى احتلها الصليبيون.

ما الدوافع الحقيقية وراء معركة حطين؟

كان ساحل الشام ومنطقة بيت المقدس تحديدًا قد تم احتلالها من قبل أمراء أوروبيون قد إتخذوا الصليب شعارًا لهم حتى يضفوا صبغةً دينية لحملتهم العسكرية عام 1099م، وكان الإقطاعيون الصليبيون والفرسان قد نصبوا أنفسهم أمراء وملوك على تلك المناطق، فكان هذا على مدى قرن دافعًا لتحرير البلاد من الإحتلال.

وكانت غارة لصوصية شنها أحد بارونات الإفرنج البارزين، رينو دى شاتيون السبب المباشر لهجوم المسلمين، رينو دى شاتيون كان مغامرًا وقحًا وسبق له أن اجتاح قبرص البيزنطية فى سنة 1155م وعمل فيها سلبًا ونهبًا، وكان قد أسر عند نور الدين محمود بن زنكي قبل 16 سنة، وبعد إخلاء سبيله استقر في حصن الكرك، وعكف على نهب وسلب قوافل التجار والحج المارّة فى الجوار؛ لأن الحصن كان يقطع الطريق من سوريا إلى مصر والحجاز.

ما الدوافع الحقيقية وراء معركة حطين؟

ما الدوافع الحقيقية وراء معركة حطين؟

وفي أواخر سنة 1186م ولربما أوائل 1187 م، شن رينو غارة (خلافًا لشروط هدنة عقدت فى 1180) على قافلة حجاج متجهة من القاهرة إلى الحجاز ونهب ما بها، وأسر أفرادها وزجهم فى حصن الكرك، ويروى أن القافلة كانت لأخت صلاح الدين بالذات، فما كان من صلاح الدين إلا أن يطالب فى الحال ملك القدس آنذاك غي دي لوزينيان بالتعويض عن الضرر والإفراج عن الأسرى ومحاسبة الناهب، ولكن الملك لم يجازف بمس تابعه القوى رينو، فكان أن قرر صلاح الدين إعلان الحرب على مملكة بيت المقدس، إلا إن مرض صلاح الدين أخر بدء القتال في تلك السنة.

اقرأ أيضًا: معركة كربلاء.. علامة فارقة في التاريخ الإسلامي

العمليات العسكرية التي سبقت معركة حطين:

كانت العمليات قبل معركة حطين تهدف إلى توحيد المسلمين، وكان للتوحيد أساليب بالإقناع واللين حينًا أو بإستعمال القوة حينًا آخر، فى البدء اجتاحت قواته في الربيع الباكر من عام 1187م مناطق قلعتي الكرك وكراك دي مونريال، وبعد شهرين بدأ القتال ضد الصليبيين، وأعلن صلاح الدين فتح باب التطوع في مصر لمحاربة الصليبيين وأرسل مراسليه إلى الموصل والجزيرة والشام يطلب منهم دعم الجيش وخرج بعساكره الخاصة وعسكر الحلقة وغيرهم من القاهرة وعسكر في دمشق.

وعين ابنه الملك الأفضل قائدًا للقوات واحتشدت قواته في بصرى وكانت تضم حوالي 12000 فارس و13000 من المشاة ورجال الإحتياط وأعدادًا كبيرة من المتطوعين ثم سار إلى الكرك وأخذ قيادة القلب وأعطى ابن أخيه تقى الدين عمر قيادة الميمنة ومظفر الدين كوكبري قيادة الميسرة وخرج الحاجب لؤلؤ بالأسطول من مصر، ثم خرج الملك العادل من القاهرة إلى بركة الجبل وسار إلى الكرك والتقى مع السلطان، وفي الجانب الآخر حشد الصليبيون 22000 ألفًا بين فارس ورجل، والتحق بهم عدد كبير من المتطوعة حتى روى أنه زاد عددهم على الستين ألف.

العمليات العسكرية التي سبقت معركة حطين

العمليات العسكرية التي سبقت معركة حطين

في مايو 1187م أبيدت إلى الشمال الشرقي من الناصرة فصيلة كبيرة مؤلفة أساسًا من الفرسان الصليبيين، ولقي الأستاذ الأكبر لجمعية الأوسبيتاليين روجيه دى مولان مصرعه، كما عبرت جيوش المسلمين نهر الأردن جنوبي طبريا، وسارت فقط اليوم التالي إلى تل كفر سبت (كفر سبيت) في الجانب الجنوبى الغربى من طبريا، وحاولت الإشتباك مع الصليبيين، فرفضوا القتال، وفي 2 يوليو استولت جيوش صلاح الدين المسلمة على طبرية قاطعًا على عدوه طريقه إلى الماء.

أحداث معركة حطين بالتفصيل:

أحرق المسلمون الأعشاب والشجيرات في ساحة معركة حطين، واستولوا على عيون الماء، عملًا على تعطيش الصليبيين وإجبارهم على النزول للإشتباك معهم، ولما وصل الصليبيون إلى السهل الواقع بين لوبيا وحطين، شن صلاح الدين هجومًا، ففروا إلى تلال حطين، فحاصرت قوات المسلمين التلال، وأقبل الليل وتوقف القتال، فى اليوم التالى 4 يوليو 1187 وفي قيظ شديد ونقص في  مياه الشرب قامت معركة حطين، ولف الفرسان الصليبيون الذين انتظموا على مرتفع حطين سحب الدخان المتصاعد إلى أعلى، فالتحم الجيشان على بعد ميلين من حطين، فتضعضعت صفوف الصليبيين وأهلكت سهام جيوش المسلمين الصليبيين، ثم شن هجوم بالسيوف والرماح، فقتل وجرح وأسر الكثير، فاستسلم الألوف منهم، وقام الصليبيون بمناورة.

أحداث معركة حطين بالتفصيل

أحداث معركة حطين بالتفصيل

فتقدم قائد الفرسان ريمون الثالث أمير طرابلس بأمر من غي دي لوزينيان ملك القدس، وزحزح بهجومه هذا قوة يقودها تقي الدين عمر، فظن الصليبيين أنهم فتحوا ثغرة في صفوف صلاح الدين فاندفعوا فيها، وحاصر جيش صلاح الدين جزء من الجيش الصليبي فشطره إلى شطرين، ودامت المعركة نحو 7 ساعات على التوالي، سقط فيها الآلاف بين جرحى وقتلى، ووقع الملك غي دي لوزينيان ملك القدس آنذاك في أسر صلاح الدين، بالإضافة إلى العديد من القادة والبارونات، ولم ينج إلا بضع مئات فروا إلى صور واحتموا وراء أسوارها.

اقرأ أيضًا: معركة ذي قار يوم كسر العرب أنوف الفرس الجزء الأول

نتائج معركة حطين:

كانت هزيمة الصليبيين في معركة حطين هزيمة كارثية، حيث فقدوا فيها زهرة فرسانهم، وقتل فيها أعداد كبيرة من جنودهم وأسر فيها أعداد كبيرة أيضًا، وأصبح بيت المقدس في متناول صلاح الدين الأيوبي، وكان من بين الأسرى ملك بيت المقدس ومعه مئة وخمسون من الفرسان ومعهم رينو دي شاتيون صاحب حصن الكرك وغيره من كبار قادة الصليبيين، فأحسن صلاح الدين استقبالهم، وأمر لهم بالماء المثلج، ولم يعط رينو، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقى إلى أرناط.

فغضب صلاح الدين وقال: “إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذنى فينال أماني”، ثم كلمه وذكّره بجرائمه وقرّعه بذنوبه وعرض عليه أن يسلم فرفض أرناط فقام إليه فضرب عنقه، وقال: “كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا”، فكان أن برّ صلاح الدين بيمينه وضرب عنق رينو.

وبعد المعركة سرعان ما دخلت قوات صلاح الدين وأخوه الملك العادل المدن الساحلية كلها تقريبًا جنوبى طرابلس، عكا، بيروت، صيدا، يافا، قيسارية، وعسقلان، وقطع اتصالات مملكة القدس اللاتينية مع أوروبا، كذلك استولى على أهم قلاع الصليبيين جنوبي طبرية، ما عدا الكرك وكراك دي مونريال، وفي النصف الثانى من سبتمبر 1187 حاصرت قوات صلاح الدين القدس، ولم يكن بمقدور حاميتها الصغيرة أن تحميها من ضغط 60 ألف رجل، فاستسلمت بعد ستة أيام.

وفي 2 أكتوبر 1187م فتحت الأبواب وخفقت راية السلطان صلاح الدين الصفراء فوق القدس، في نوفمبر 1188م استسلمت حامية الكرك، وفي أبريل-مايو 1189 استسلمت حامية كراك دي مونريال، وكان حصن بلفور آخر حصن يسقط، ومنذ ذلك الحين صار ما كان يعرف بمملكة القدس اللاتينية بمعظمها في يد صلاح الدين، ولم يبق للصليبيين سوى مدينتى صور وطرابلس، وبضعة استحكامات وحصن كراك دي شيفاليه فى شرق طرطوس، وقد أدى سقوط مملكة القدس إلى دعوة بابا روما إلى بدء التجهيز لحملة صليبية ثالثة التى بدأت عام 1189م.

عامل صلاح الدين القدس وسكانها معاملة أرق وأخف بكثير مما عاملهم الغزاة الصليبيون، قبل ذلك بمئة عام تقريباً حيث قتل الصليبيون آنداك كل أهالي القدس من رجال وكهول ونساء وأطفال و 70000 تم قتلهم في ساحة المسجد الأقصى، فلم تقع من صلاح الدين قساوة لا معنى لها ولا تدمير، ولكنه سمح بمغادرة القدس في غضون 40 يومًا بعد دفع فدية مقدارها 10 دنانير ذهبية عن كل رجل، 5 دنانير ذهبية عن كل امرأة، ودينار واحد عن كل طفل، وأظهر صلاح الدين تسامحًا كبيرًا مع فقراء الصليبيين الذين عجزوا عن دفع الجزية.

وهكذا كانت معركة حطين نقطة تحول مفصلية في تاريخ الحروب الصليبية، حيث قاد صلاح الدين جيشه بحكمة ودهاء ليحقق انتصارًا ساحقًا أعاد القدس إلى المسلمين، فلم تكن هذه المعركة مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت رمزًا لصراع استمر قرونًا بين الشرق والغرب، وأثبتت أن التخطيط والاستراتيجية قادران على تغيير مجرى التاريخ.

اقرأ أيضًا: معركة الزلاقة .. المعركة التي مدت في عمر الأندلس 

كتب: مصطفى خالد.