دع القلق و ابدأ الحياة:

الضغط النفسي نعتبره جميعاً عدواً لدوداً لنا فهل يوماً فكرنا في أن نجعله صديقاً ودوداً يُعيننا فيما نمر به من تحديات و أزمات في هذه الحياة .؟

نعم كلنا نعلم أن نظرتنا للأمور نظرة قاصرة غير مُلِمة بكل ما حولها لا تعلم أفي الشر يكمن الخير أم العكس. لا تعلم إن كان الأسود من الداخل كئيباً و مظلماً كما هو من الخارج أم أنه يحمل في طياته من البياض والنقاء ما لا تستطيع أعيننا وعقولنا الثاقبة أن تدركه .؟

في هذا المقال سنتناول الحديث عن الضغط النفسي و ما قد يصاحبه من مشاعر سلبية مثل التوتر والقلق. وكيف يمكنه أن يلحق الضرر بنا و يؤذي صحتنا الجسدية ؟ سنتعرف ايضاً علي الجوانب الخفية للضغط النفسي وكيف يمكننا أن نجعل الضغط النفسي حافز لنا يساعدنا علي إنجاز مشاريعنا اليومية بالشكل الذي نريده.  

أولاً: ما هو الضغط النفسي؟

الضغط النفسي هو الإستجابة العقلية و البدنية و النفسية تجاه حدث معين نتيجة مجموعة من الافكار مبنية علي عدة تجارب . مررنا بيها في الماضي أو نخاف أن نمر بها يوماً ما في المستقبل  .  فنسعي جاهدين لمنع تكرار هذا مرة ثانية أو لمنع حدوثه من الأساس  .  فنبدأ نشعر بأحاسيس ملازمة لذلك مثل التوتر والقلق و الخوف الدائم .

ينتج عن التوتر والقلق حدوث عدة تفاعلات كميائية في الجسم تسبب إفراز بعض الهرمونات .

مثل: هرمون الكورتيزول و هرمون الأدرينالين و التي تعرف بهرمونات الطوارئ و التي تحفز عمل الجهاز السبمثاوي إستعداداً لإستجابة الجسم إما بالمواجهة أو الفرار والهرب .

( fight or flight response). 

 

يعمل تحفيز الجهاز السمبثاوي علي : 

  1.  زيادة معدل ضربات القلب .
  2. ارتفاع ضغط الدم  .
  3. الزيادة من معدل وصول الدم للعضلات والأطراف .
  4. الزيادة من سرعة التنفس .
  5.  ارتفاع معدل السكر في الدم .

هذه التفاعلات في الجسم تجعل الإنسان أكثر قدرة علي إدارة الموقف بسرعة بالغة و الحفاظ على سلامته .  

كيف يمكن للضغوطات النفسية و التوتر أن تلحق الضرر بصحة الإنسان؟

باتت اليوم الضغوطات النفسية هي الشغل الشاغل للجميع خصوصاً مع قافلة الحياة التي تسير مسرعة، فنحاول بأقصي ما لدينا من طاقة أن نلحق بتلك القافلة ونواكب السير معها .

وفي ذاك الطريق نخسر سلامنا الداخلي و تتشتت أذهاننا؛ ليصبح تركيزنا الكلي على المستقبل و ما سيكون وننسي ما هو كائن .

ولا شك أن هذا يحملنا فوق طاقتنا أحمالاً و أحمالاً من عبء التفكير في القادم و عبء التعايش مع الواقع لتضيع لحظات أعمارنا بين هذا وذاك .

يختلف مفهوم الضغط النفسي والتوتر من شخص لأخر و ذلك لإختلاف تعامل كل شخص مع ما قد يقلقه . 

ولكن كلنا نعلم أن الشئ إذا زاد عن حده إنقلب إلي ضده .

 

الضغط النفسي القاتل الأول:

  •  يمكن أن يؤدي إلي التحفيز الدائم لعمل الجهاز السبمثاوي وكون الجسم في تحفيز مستمر يؤدي هذا إلي إجهاض عضلات القلب و الجسم . 
  • كما أن الجهاز السبمثاوي يؤدي إلي تثبيط عمل الأجهزه غير الضرورية مثل: 
  1. الجهاز الهضمي فيحدث به الكثير من المشاكل الصحية .
  2.  الجهاز المناعي فيصبح الجسم أكثر عرضة للإصابة بالعدوي سواء الفيروسية أو غيرها .
  3.  يؤدي إلى نقص تدفق الدم إلى الجلد وفروة الرأس.  فيؤدي هذا إلى جفاف و شحوب في البشرة و تساقط الشعر و مشاكل عديدة سواء في الشعر أو البشرة مما يساهم في ظهور الشيخوخة المبكرة .
  • كما يمكن أن يتأثر الجهاز العصبي فتزداد إحتمالية الإصابة بالأمراض العصبية والنفسية مثل الإكتئاب والأرق.  كما تتأثر الذاكرة و يزداد معدل النسيان والتشتت وعدم القدرة علي التركيز .

و قد أجريت العديد و العديد من الدراسات للتعرف على تأثير الضغط النفسي و التوتر علي الإنسان .

فوجدوا أنه يؤدي إلي زيادة إحتمالية الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل: السكر وضغط الدم المرتفع وأمراض القلب . 

و تزداد نسبة الوفيات بشكل كبير بين مَن يعيشون تحت ضغط نفسي مستمر .

الجوانب الخفية للضغط النفسي :

نحن نعلم أن الضغط النفسي قاتل، نعلم أن تفكيرنا يمكنه أن يقودنا للهاوية. 

يمكنه أن يلقي بنا في آبار مظلمة لا قاع لها ولا نجاة منها .

فلماذا لم نفكر يوماً في أن نراوض جموح أفكارنا و نجعلها تخضع لما نريد نحن لا ما تريد هي ؟

إن صحتنا الجسدية ناتج لا يمكن الحصول عليه دون الصحة النفسية . 

و الصحة النفسية لا يمكن الحفاظ عليها دون معتقدات سليمة و عقل باطن نغذيه بالتفاؤل والأفكار الإيجابية .

و مع تعدد أسباب القلق والضغوطات النفسية في حياة الإنسان أصبح التوتر جزءً طبيعياً من حياة الإنسان وشئ لابد منه ولا يمكن التخلص منه .

فلما لا يصبحان الضغوط النفسية و الإنسان صديقان ! ينتفع الإنسان من فوائده و يحاذر من أضراره ؟

إن كل إنسان لديه من الضغوط النفسية و التوتر ما يجعله يصبو لتحقيق أحلامه و الوصول إلي أهدافه و لولاها لأصبحت حياته “سبهللة” لا نفع منها ولا فائدة.

فهنا التوتر و الضغط النفسي له رد فعل إيجابي يدفع للعمل و الإنجاز و التركيز علي الهدف و الإعراض عن ملهيات الحياة.

كما يصاحب الضغط النفسي و التوتر إفراز هرمون الأوكسيتوسين هرمون الحب و العاطفة .

و يطلق عليه أيضاً هرمون العناق لأنه يتم إفرازه عند العناق و خلال اللحظات الحميمة التي يكون فيها الإنسان بقرب من يحب .

هذا الهرمون يؤثر على الإنسان و يجعله يشعر بالرغبة في التواجد بقرب الأصدقاء؛ وبقرب من يحب ليبث لهم همومه و يفرغ ما بجعبته من حديث.

و أجريت الكثير من الدراسات و الإحصائيات لإثبات ذلك فوجدوا بالفعل أن الإنسان يصبح إجتماعياً إلي حد كبير؛ كما يصبح أكثر قدرة على مساعدة الأخرين عندما يقع تحت ضغوط نفسية، كما يصبح بحاجة كبيرة للتواجد بقرب الأصدقاء و العائلة. 

  الضغط النفسي و الإنجاز :

أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يعملون تحت ضغط و لكنهم يدركون فوائد هذا الضغط في إنجاز أعمالهم بدقة عالية في زمن قصير ويؤمنون أنه لا يمكن لهذا الضغط أن يؤثر علي صحتهم . فنجد أن إحتمالية الإصابة بالأمراض تقل كثيراً كما تكاد تنخفض نسبة الوفيات بينهم إلى الصفر . على العكس من أولئك الذين يعتقدون أن الضغط النفسي يلحق الضرر الجسيم بالصحة سواء الصحة الجسدية أو النفسية.

و الخلاصة أن التوتر ليس عدواً لنا إن لم نتخذه نحن عدواً يرتبط إسمه في أذهاننا بالأمراض والأسقام و النظرة السلبية للحياة و عدم القدرة علي الإنجاز بل هو حافز للإنجاز و داعي للألفة والتواصل الإجتماعي لذا لابد وأن تتسع آفاق رؤيتنا لنري بأعيننا و أفكارنا أفاقاً جديدة لا تؤذينا و لا تستهلك أنفسنا ببطء .

بقلم / ســـارة الحـــلاج