فارق هائل بين أن تقول كلمة من فمك وأن تقول نفس الكلمة من منطقة وجدانك (إحساسك)..الأولى مجرد صوت قد يؤثر فيك أو لا يؤثر أما الثانية فهي تيار جارف من الشعور يخترق كل نزعاتك الحسية ..هذا هو الفارق بين التمثيل وبين أن تعيش فى التمثيل بين التقليد الأعمى والتقمص الحقيقى للشخصية الدرامية، بين الذهب القشرة والذهب النقى… كل دارسى التمثيل يدركون تلك الفروق ويعرفون قدرات بعضهم البعض فى العالم وكذلك فى مصر ..

تعتمد المعاهد المتخصصة على كتاب”فن إعداد الممثل”للكاتب البولندي الشهير ستان سلافسكى ..هذا الكتاب يشرح القاعدة الذهبية التى تجعلك ممثلا محترفا وليس أراجوزا مقلدآ ..القاعدة مجرد كلمتين” ماذا لو؟.. ” لكنهما بثقل الذهب قيمة.

يطرحان سؤالاً بسيطا ماذا لو كنت طبيباً؟.. عليك أن تعرف كيف يعيش الطبيب وكيف يلبس ويأكل ..إلخ ..بهذه القاعدة البسيطة يعلمنا سلافسكى كيفية فصل الذات عن الشخصية الدرامية ..أى كيف نفصل ذواتنا الخاصة ومنعها من التأثير على الشخصية الدرامية لتصبح أنت أو انا مجرد وعاء فارغ تصب فيه كل صفات الشخصية الدرامية ..وبالتالي يصبح التمثيل نابعا من تيار الوجدان ليحصد الممثل النجاح الباهر ويبرز فى مجاله كأحد وحوش التمثيل وليس اراجوز تمثيل .

بالطبع ليس سلافسكى الوسيلة الوحيدة لتعلم التمثيل ..بل هناك أدوات وكتب أخرى أحدث ..لكن سيظل هو المرجع الأساسي لهذا الفن ..كما ظل وليام شكسبير مرجعاً للمسرح التقليدى الحديث ..
لكن التمثيل من منطقة الوجدان (تيار اللاشعور) له بعض السلبيات والمخاطر على الممثل وربما المحيطين به ..حيث يمكن أن يجعله الإندماج التام وحشا يقتل بكل سهولة الذى يريد الإنتقام منه حسب الدراما ..دون أن يدري ذلك عليه أن يطبق القاعدة الأخرى وهى التدريب على وجود مستويين متناقضين من الوعى لايطغى أحدهما على الآخر ..

الأول هو أن يعرف الممثل أنه يمثل وفى ذات الوقت يجب أن يتقمص الشخصية بكل أبعادها ويعيش فيها حتى يحمى نفسه من أضرار الإندماج وآثاره مابعد إنتهاء التصوير ..ومن يعرف المبدع الراحل أحمد زكى يعرف كيف ظل يمشى بالبايب والعصا المرشالية الخاصة بالسادات لشهور عديدة بعد إنتهاء تصوير فيلم أيام السادات وهذا أشهر مثال على تأثير الاندماج الكامل على الممثل وعلى الصعيد العالمي يجلس آل باتشينو ودى نيرو وهوفمان على القمة فى هذا المضمار.
وغير أحمد زكى حفلت السينما المصرية بالعديد من وحوش التمثيل مثل محمود المليجى وزكى رستم ومحمود مرسى ونور الشريف والقائمة ممتدة ..كما إمتلأت أيضا بالمئات من أراجوزات الفن الذين سيطروا على البطولة فى السنوات العشرين الأخيرة.

 

بقلم:ياسر عز الدين