لطالما كانت مصر أرضاً مقدسة ومذكورة فى الكتب السماوية الثلاثة لكونها كانت أرضاً للعديد من الأنبياء الذين أثروا فى نفوس المصريين وتأثروا بهم.
ومع تعاقب الأجيال والتاريخ تشكلت مناطق عديدة بسبب دخول مصر فى حُقب مختلفة..
فالجدير بالذكر أن مصر عاشت الحُقب الزمنية لإنتشار الديانة المسيحية مما ساعد فى نشر الكنائس والأديرة.
وبعد الفتح الإسلامى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- وعلى يد القائد عمرو بن العاص –رضى الله عنه- إنتشرت الديانة الإسلامية.
مما ساعد فى نشر العمارة العربية المتمثلة فى المساجد والجوامع، ومع إنتشار اليهود داخل أرض مصر كان بناء المعابد اليهودية.
فكل هذة العوامل جعلت من مصر مكاناً فريداً من نوعه حيث إنتشار الثقافات والأفكار والتشريعات الدينية المتعددة.
لذلك نأخذكم اليوم إلى أحد الأماكن التى تمثل مدى التنوع التاريخى والثقافى فى مصر.
وأيضاً أحد أعظم الأمثلة على التسامح الدينى وحسن الجوار ألا وهو مجمع الأديان.
إذا أردت أن ترى مصر حق الرؤية عليك أن تذهب فى رحلة إلى منطقة مجمع الأديان فى حى مصر القديمة:
تقع منطقة مجمع الأديان بحى مصر القديمة الكائن فى مدينة القاهرة والتى تحتضن آثاراً بالغة القيمة تعود وتمثل الأديان السماوية الثلاثة فيوجد بها الآثار الإسلامية والمسيحية واليهودية.
بل والأكثر من ذلك أن هذة الأثار هى دور للعبادة لكلاً من المسلمين والمسيحيين واليهود أيضاً.
حيث يوجد بهذة المنطقة جامع عمرو بن العاص الذى يعد أول جامع يبنى فى قارة أفريقيا جامعةً.
وتوجد الكنيسة المعلقة وهى أحد أقدم الكنائس الموجودة فى مصر، والمتحف القبطى، وكنيسة القديس أبو سرجة.
وكنائس آثرية أخرى كما يوجد أيضاً معبد بن عزرا اليهودى، بالإضافة إلى حصن بابليون الذى دارت به أحد معارك فتح مصر.
جامع عمرو:
بنى بمدينة الفسطاط التى أسسها المسلمون فى مصر بعد فتحها وكان يسمى أيضاً بمسجد الفتح والمسجد العتيق وتاج الجوامع.
كانت مساحة الجامع وقت إنشائه 50 ذراعاً فى 30 ذراعاً وله ستة أبواب ليظل كذلك حتى عام 53هـ / 672م .
حيث توالت التوسعات فزاد من مساحته مسلمة بن مخلد الأنصارى والى مصر من قبل معاوية بن أبى سفيان وأقام فيه أربع مآذن.
وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك على يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معمارى.
وهو الآن 120 فى 110أمتار.
إبان الحملة الصليبية على بلاد المسلمين وتحديداً عام 564 هـ خاف الوزير شاور من إحتلال الصليبيين لمدينة الفسطاط .
فعمد إلى إشعال النيران فيها إذ كان عاجزاًعن الدفاع عنها واحترقت الفسطاط وكان مما احترق وتخرب وتهدم جامع عمرو بن العاص.
وعندما ضم صلاح الدين الأيوبى مصر إلى دولته أمر بإعادة إعمار المسجد من جديد عام 568 هـ.
فأعيد بناء الجامع والمحراب الكبير الذى كُسيى بالرخام ونقش عليه نقوشاً منها أسمه.
الكنيسة المعلقة:
تقع هذة الكنيسة فى نفس المنطقة أى مجمع الأديان وعلى مقربةً من جامع عمرو.
سميت بالمعلقة بسبب بنائها على برجين من حصن بابليون الرومانى.
بنيت الكنيسة على أنقاض مكان يقال أنه أحتمت فيه العائلة المقدسة “السيدة مريم العذراء، المسيح الطفل.
والقديس يوسف النجار أثناء الثلاث سنوات التى قضوها فى مصر هروباً من هيرودس حاكم فلسطين الذى كان قد أمر بقتل الأطفال تخوفاً من نبوءة وردته.
والبعض يرى أنها مكاناً للخلوة التى كان يعيش فيها أحد الرهبان النساك فى واحد من السراديب الصخرية المحفورة فى المكان.
جددت الكنيسة عدة مرات خلال العصر الإسلامى مرة فى خلافة أمير المؤمنين هارون الرشيد العباسى.
حينما طلب البطريرك الأنبا مرقس من الوالى الإذن بتجديد الكنيسة.
ومرة فى عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمى الذى سمح للبطريرك أفرام السريانى بتجديد كافة كنائس مصر وإصلاح ما تهدم.
ومرة ثالثة فى عهد الخليفة على الظاهر لإعزاز دين الله.
كانت مقراً للعديد من البطاركة منذ القرن الحادى عشر وكان البطريرك خريستودولوس هو أول من أتخذ الكنيسة المعلقة مقراً لبابا الإسكندرية.
وقد دُفن بها عدد من البطاركة فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر ولا تزال توجد لهم صور وأيقونات بالكنيسة تضاء لها الشموع.
وتعتبر مزاراً هاماً للأقباط نظراً لقدمها التاريخى وإرتباط المكان بالعائلة المقدسة.
المتحف القبطى:
يقع هذا المتحف فى مصر القديمة داخل حدود حصن بابليون والذى توجد بقاياه خلف مبنى المتحف وقد بدأ تشييده أيام الفرس.
ولكن حدثت عليه العديد من الإضافات فى عهد الإمبراطوريين الرومانيين أغسطس وتراجان ثم أضاف إليه من جاء بعدهم من أباطرة الرومان.
لعب العالم الفرنسى “ماسبيرو” دوراً هامة فى نشأة المتحف إذ عمل على جمع أعمال الفن القبطى وتخصيص قاعة لها فى المتحف المصرى.
ثم طالب مرقس باشا سميكة عام 1893م بأن تضم مجموعة الآثار القبطية إلى إهتمامات لجنة حفظ الآثار والفنون.
وقد جاهد هذا الرجل طويلاً حتى تمكن من إقامة المبنى الحالى للمتحف الذى أُفتُتِحَ عام 1910م وعين هو أول مدير له.
أما أول دليل للمتحف فتم نشره عام 1930م ويعد هذا المتحف هو الأكبر من نوعه فى العالم.
حيث يضم أكبر عدد من آثار مصر أثناء الحقبة القبطية والذى يبلغ حوالى 16000 من المقتنيات.
معبد بن عزرا اليهودى:
كنيس بن عزرا هو أحد المعابد اليهودية المصرية ويقع فى منطقة الفسطاط “حى مصر القديمة” مجمع الأديان .
ويعد واحد من أكبرها وأهمها خصوصاً مع تولى الحكومة المصرية له بالرعاية وترميمه وتحويله لأثر ومزار سياحى.
نظراً لإحتواء مكتبته على نفائس الكتب والدوريات اليهودية التى تؤرخ لوجود طائفة اليهود فى مصر.
المعبد فى الأساس كان كنيسة تسمى “كنيسة الشماعين” وقد باعتها الكنيسة الأرثوذكسية للطائفة اليهودية.
عندما مرت بضائقة مالية نتيجة لزيادة الضرائب التى فرضت عليها وقتها.
وسمى المعبد بهذا الإسم نسبة إلى “عزرا الكاتب” أحد أجلاء أحبار اليهود.
ويسمى أحياناً بمعبد الفلسطينيين أو معبد الشوام.
ويعرفه الباحثون واليهود المحدثين “بمعبد الجنيزا” نسبة إلى مجموعة وثائق الجنيزا الشهيرة التى وجدت به عام 1890.
حصن بابليون الرومانى:
يقع حصن بابليون بجوار جامع عمرو والكنيسة المعلقة وكان الإمبراطور تراجان قد أمر ببنائه فى القرن الثانى الميلادى فى عهد الإحتلال الرومانى لمصر.
وقام بترميمه وتوسيعه وتقويته الإمبراطور الرومانى أركاديوس فى القرن الرابع حسب رأى العلامة القبطى مرقص سميكة باشا.
وقلعة تراجان هذه غير القلعة القديمة التى ذكرها إسترابو المؤرخ وكان موقعها إلى الجنوب من قصر الشمع بالقرب من دير بابليون الحالى.
فى عام 641م سقط الحصن فى يد عمرو بن العاص بعد حصار دام نحو سبعة أشهر “18 ربيع الآخر 20 هـ” وكان سقوطه إيذاناً بدخول الإسلام.
فاختار ابن العاص مكاناً صحراوياً يعتبر عسكرياً موقعاً إستراتيجياً شمال حصن بابليون.
وأقام فيه مدينة الفسطاط فوق عدة تلال يحدوها جبل المقطم شرقاً.
وخلفه الصحراء التى يجيد فيها العرب الكر والفر والحرب والنيل غرباً ومخاضة بركة الحبش جنوباً وهما مانعان طبيعيان.
شيد عمرو بن العاص مدينة الفسطاط كمدينة محصنة وبها حصن بابليون لتكون مدينة للجند العرب.
لتصبح اليوم منطقة سياحية عالمية تضم مسجد وكنيسة ومعبد وتسمى بـ “مجمع الأديان”
كلمة أخيرة:
إذا أردت أن ترى مصر حق الرؤية عليك أن تذهب فى رحلة إلى منطقة مجمع الأديان فى حى مصر القديمة.
وصدقاً ستندهش كثيراً من التناغم الثقافى والدينى لهذة المنطقة.
كتب:مصطفى خالد